إياد الصالحي
لم أرَ مدرباً وطنياً تسلّم قيادة أحد المنتخبات الوطنية وواجه سيلاً من التشكيك في خياراته قبل وبعد إعلام اللجنة المنظمة للبطولة الآسيوية بالقائمة النهائية للاعبيه مثلما يواجهه المدرب عبد الغني شهد الذي أعلنها صراحة للتخفيف عن ضغوطه النفسية بأنه مستعدّ لإخلاء المهمة لمن يخلفه إذا ما وجد الوقت غير مناسب للاستمرار في قيادة الأولمبي وأنه يشعر بإحباطٍ مريرٍ اليوم أكثر من أي وقت مضى ومهيّأ للانسحاب، وأعلن على مضض بأن مسألة تشبّثه على رأس المنتخب الأولمبي عِناداً بمنتقديه وذلك بعد انتهاء لقاء إيران.
المفاجأة التي لم أكن أتوقعها من المدرب، أنه تظاهر بالاستغراب من موقف اللاعب همام طارق برفضه تمثيل المنتخب، معززاً إصراره بطلب رسمي تقدم به الى اتحاد الكرة، فيما نفى رئيس الاتحاد عبد الخالق مسعود تسلّم الطلب والبت فيه محاولة منه لتهدئة المدرب الذي رفع صوته شاجباً تدخل الاتحاد بموضوع فني، متوعداً بأنه لن يسمح بتكرار ذلك مستقبلاً كي لا يصبح تمثيل المنتخب والامتناع عنه مرهوناً بمزاج اللاعب.
صدقاً، أن تظاهر شهد بتفاجئه واستيائه من سلوك همام كأنه يُدين نفسه لأنه أساساً من دفع اللاعب للنفور من المهمة الوطنية قبل بدئها، ففي تصريح سابق له أكد أنه سيفاضل بين همام طارق أو مهدي كامل كلاعب ثالث فوق السن القانونية، وهو يعلم أن أغلب لاعبينا لا يتمتعون بثقافة حصيفة خاصة عندما تصبح المفاضلة أساساً لاختيار الأكفاً والأكثر جاهزية للمحفل القاري ويعدها المُبعد أهانة له وتقليلاً من شأنه وسط تزاحم الأندية على صفقات الموسم الجديد، ويرى البعض ذلك انتقاصاً من قدراته حتى لو كان منافسه أفضل منه، وبالتالي كان لابد أن يستدرك شهد حساسية أية كلمة تخصّ رؤيته الفنية ويؤجّل اتخاذ القرار الى حين نضوج الاختيار وقناعته باللاعب المتكامل، وبالمناسبة، فسلوك همام مرفوض بشدّة إذ لا يجوز التنصّل من دعوة المدرب حتى يسمح له الأخير بمغادرة المعسكر أو المهمة ذاتها إن كانت ظروفه حرجة ، لأن نداء الوطن يُقابل بـ(سمعاً وطاعة) وليس بالممانعة!
يعلم شهد أنه ليس مجبراً على كشف أدواته وما يفكّر به ويضجر منه ويقلقه في تصريحات متوالية أهمل فيها قيمة التوقيت لاسيما قبل بدء دورة الألعاب الآسيوية بأيام قليلة، فمخاوفه محسوسة من إيماءة الوجه وكلامه وردّة فعله من ارتباك التحضير وإهمال الاتحاد الذي انشغل بالانتخابات من شهر آذار الماضي ولم يفرغ من بعض تبعاتها حتى نهاية حزيران الفائت، يجب أن لا ينسى شهد أن كثرة التشكّي واجترار المقارنات عن استعداد بعض المنتخبات بصورة أفضل منا وعدم تعاون الأندية كل ذلك يمهّد لفقدان اللاعب ثقته بنفسه ويُضعِف انسجامه مع أجواء المنتخب، وفي الوقت نفسه يؤجج حُنق شهد لما ينشر عنه في الإعلام موقفاً سلبياً لدى بعض المواقع الألكترونية التي تمتلك جمهوراً واسعاً يصل لمئات الآلاف يتفاعلون مع ما يطرح فيه وربما تتصاعد الأزمة كلما ظهر المدرب بأنه مُجبر على خوض المشاركة الآسيوية في جاكرتا ولا علاقة له بجوازات المشكوك بمواليدهم وما تسبّبه الحقيقة الموجعة من إحراجٍ على صعيد النتائج والمستوى يسعى لتداركهما بأقل الخسائر.
يبقى أن نلفت عناية الجميع إلى أن المنتخب العراقي سواء الأولمبي او الوطني يبقى كتاباً مفتوحاً لمتابعيه في الخارج قبل الداخل ونحن نسهم عبر أغلب القنوات (لا نخصّ واحدة) في خروق عدة لا ننتبه إليها، وشهد أشار بنفسه إلى ذلك حيث قضى وقته أمام المشاهدين ليؤكد ويفنّد ويرد على قول فلان واتهام الإعلام ولم يتحدث بشيء إيجابي لفائدة اللعبة، كل همّ بعض القنوات التسابق لتضييف هذا المدرب وذاك اللاعب لخلق صراعات من لاشيء وإيقاد شرارة التمرّد داخل صفوف المنتخب ويختتم المقدم حلقته بابتسامة صلفة مؤكداً أنه سيواصل مناقشة المحور في الحلقات المقبلة!!
ترى متى نتّعظ من دروس أفقدتنا فرصاً ثمينة كانت ستأخذ بكرتنا الى نواصي الإنجاز ويدبّ الاستقرار بالملاك التدريبي ويقوّي عزائم اللاعبين؟ كل مرّة نتمنى التوازن بين حقوق الإعلام والمهمة الوطنية وتخيب الأماني على وقع أزمات مفتعلة ينبري الملثمون في الفيسبوك للاحتفال بمذبح الكرة العراقية انتصاراً لنفوسهم الشريرة وطاعة لأوامر مجنّديهم.