TOP

جريدة المدى > عام > كتب ملعونة..هل أنا أناقض نفسي.. حسناً جداً، إنني أناقض نفسي

كتب ملعونة..هل أنا أناقض نفسي.. حسناً جداً، إنني أناقض نفسي

نشر في: 28 يوليو, 2018: 08:27 م

ثلاثية الجنس.. الدين .. السياسة

 علــي حســين

| 8   |

في العشرين من تشرين الأول عام 1960، بدأت وقائع محاكمة غريبة.. جلس فيها القضاة والمحلفون  ومحامي  المتهم وممثل الإدعاء العام وجمهور كبير، لكن قفص الإتهام كان خالياً، فالرجل الذي تتم محاكمته توفى قبل ثلاثين عاماً، لكنه عام 1928 أصدر رواية أثارت حفيظة رجال الدين والسياسة لما تضمنتها من تعابير فاحشة على حد قولهم..كانت هيئة المحكمة غير معنية بمؤلف الرواية"د.هـ.لورنس"، بل إن الأمر يتعلق بدار النشر التي طبعت رواية"عشيق الليدي تشاترلي"، وحددت موعداً لتوزيعها 25 آب 1960، إلا أن مدير النيابة العامة البريطانية، طلب الحصول على نسخة وأصدر قراراً بمنع توزيعها حتى تبت المحكمة في ذلك..

في قاعة المحكمة وقف ممثل الإدعاء ليؤكد للمحلفين إن هذه الرواية ستوحي الى عقول القراء وخصوصاً من الشباب  بأفكار ذات طابع إباحي وشهواني تجلب الضرر العام للمجتمع، وطالب من هيئة القضاء أن تتأكد بنفسها من وجود هذا الضرر في الكتاب، ثم طرح المدعي العام سؤالاً حول أعمار القراء الذين يُحتمل أن تفسدهم هذه الرواية، وتساءل قائلاً :"إن الكاتب عضو في المجتمع الذي يعيش فيه، ومن ثم فإن من واجبه نحو المجتمع  ألا يصيب أفراده بأي أذى من الناحية العقلية والجسدية والروحية. فاذا اصطدمت نوازع الإبداع  مع ثوابت المجتمع، فإن المجتمع ينبغي أن يكون له الغلبة"، ويصل ممثل الإدعاء الى النقطة الجوهرية التي يريد اقناع هيئة المحلفين بها فيقول إنه :"لايشك بعظمة كاتب مثل  لورنس، وإن روايته التي ينظر فيها القضاء، لا تخلو من القيمة الأدبية، ولكن علينا أن نحدد اولا هل هذه الرواية تتضمن أفعالاً فاحشة تفوق قيمتها الأدبية". بعدها يخرج من محفظته نسخة من الرواية  ليلوح بها وهو يقول :"الليدي تشاترلي تشعر بالإحباط بسبب عجز زوجها الجنسي بعد أن تعرض الى إصابة في الحرب العالمية الاولى، ولهذا نجدها تجد متعتها مع عامل الحديقة، حيث ترى إنه قادر على إشباع نزواتها وتمارس معه الجنس بحرية في حجرة النوم وعلى فراش بسيط في الهواء الطلق، وفي كوخ الحديقة، وتحت شجرة في الغابة والمطر ينهمر.. إن الكاتب يضع لنا ما لايقل عن 13 وصفاً دقيقاً وتفصيلاً للعملية الجنسية"، ثم يفتح الكتاب ليقرأ ما كتبه لورنس في مقدمة روايته :"لقد جاهدت دوماً أن أفعل نفس الشيء، وهو أن أجعل العلاقة الجنسية شيئاً سليماً له قيمته، وليس شيئاً يدعو الى الخجل".كان محامي الدفاع الذي كلفته دار النشر في الخامسة والخمسين اسمه جريفت جونز مغرماً بأدب لورنس، حاول في مرافعته أن يقدم دراسة عن أدب لورنس وموقفه من الجنس، حيث أكد إن مؤلف رواية عشيق الليدي   تشاترلي  يؤمن  إيماناً عميقا بالزواج كنظام اجتماعي  وإن أدبه يهدف الى التأكيد إن الفحش والإباحية لايمكنهما أن يكونا بديلاً عن الحب والعلاقة الزوجية المستقرة، وأكد المحامي إن لورنس يؤمن بأن ليس هناك ما يدعو إلى الخجل، من رغبات الجسد، وأضاف في مرافعته قائلا : أن الحضارة الغربية  كانت تقدس العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، حتى جاءت المسيحية  التي زرعت في نفوس الناس بان الجنس خطيئة. وأوضح المحامي إن لورنس  لا يصف العمليات الجنسية وصفاً فسيولوجيا، ولكنه يصفها وصفاً شاعرياً ومن ثم من الخطأ أن نقول إن وصف هذه العلاقات يتسم بالشذوذ والإباحية.بعدها طلب الاستماع الى شهادة إدورد مورجان فورستر، عندها ظهر الإهتمام على وجوة الحاضرين، فصاحب الاسم روائي مشهور حصلت روايته"الطريق الى الهند"على اعجاب الملايين، وحين أدلى فورستر بشهادته أشاد بمكانة لورنس في الأدب المعاصر، وأضاف إنه مايزال على رأيه القديم من أنه اكثر الروائيين اهتماماً بدراسة الواقع النفسي لشخصياته، وأضاف ربما كانت الليدي تشاترلي  ليس من بين روايات لورنس التي أحمل لها اعجابا مثل روايته الكبيرة"أبناء وعشاق"والتي  في نظري أفضل أعماله.  كانت"أبناء عشاق"ثالث أعمال لورنس الروائية، كتبها قبل عشيق الليدي تشاترلي بخمسة عشرعاماً أثناء مرض والدته  التي رأى انها ظلمت مع والده صاحب الطبع العنيف  والرغبات الجنسية التي لاتشبع، والرواية مستمدة من حياة لورنس الشاب الذي كان يحتقر والده، ويعشق والدته بالسر"لن أتزوج ما دمت معي"، قال لصديقه حين كانت والدته تحتضر:": أحبّ أحدنا الآخر حب أقرب الى العشق"، في أبناء وعشاق يقدم لورنس بطلة الرواية السيدة"غرترود"امرأة قوية من عائلة غنية، تعجب بعامل مناجم فتقرر الزواج منه، لكنها تكتشف إدمانه للخمر وعجزه العاطفي، فتحول اهتمامها الى ولديها اللذين تعشقهما حد الجنون، وتحاول أن تبعد النساء عنهما. كان لورنس انذاك مغرماً بما يكتبه عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد،   في يومياته  يكتب إنه :"أحد أفضل الذين يجسدون مختلف معاني تعبير (مفكر كبير) فقد قدم فعلاً، النماذج النظرية التي أفادت كتاب الرواية وعمقت لديه السعي لدراسة أحوال النفس البشرية".بعدها تحدث فورستر عن الفقرات الجنسية الموجودة في رواية عشيق الليدي تشاترلي  فأكد إن المؤلف أراد أن ينتقد العلاقات الجنسية العابرة التي تقوم على شهوة الجسد، ولهذا نجده يصف بدقة العلاقات الجنسية القائمة على الحب الدائم، وهي العلاقات السوية التي ربطت بين الليدي تشاترلي وعامل الحديقة، ويضيف فورستر إن مثل هذه العلاقات  تتجاوز رغبات الجسد لتنتهي الى ارتباط العاشقين بوشائج روحية متينة.عقدت المحكمة ست  جلسات متواصلة استمعت فيها الى عشرات الشهادات من نقاد ورجال دين وكتاب، بعدها أصدرت في الثاني من تشرين الثاني عام 1960 قراراً بالسماح بتوزيع الرواية كاملة ومن دون حذف صفحات منها 
**********لماذا يذوب العالم من حولنا ويحلل؟ في العام 1907 يعثر لورنس في إحدى المكتبات على نسخة من كتاب   بعنوان : ثلاث مقالات في نظرية الجنس"، المؤلف سيجموند فرويد سبق للورنس أن قرأ كتابه الضخم"تفسير الأحلام"وأعجب به، الأمر الذي دفعه لأن يرسل له رسالة يكتب فيها :"إننا بحاجة الى مثل هذه الكتب التي توضح لنا لماذا بدأ العالم من حولنا يذوب ويتحلل، وأخذ كل شيء يفقد قيمته". كان فرويد قد نشر كتابه"ثلاث مقالات في نظرية الجنس"عام 1905. يكتب الى لورنس الذي أرسل له رسالة عام 1906 يقول فيها :"إننا بحاجة الى ثورة لا من أجل المال أو العمل، بل في سبيل أن نعيش الحياة بطبيعتها، وهذا ما وجدته في كتابك الأخير عن نظريات الجنس"، حيث يخبره إنه يحاول جاهداً أن يرد بعض الأمراض النفسية الى الجنس. تكمن أهمية كتاب فرويد"ثلاث مقالات في نظرية الجنس"في أنه كان مفاجأة لكتّاب الرواية والشعر الذين أرادوا أن يقدموا تحليلاً أدبيا يسلط الضوء على الحياة النفسية لشخوص أعمالهم الأدبية.. ورغم أن فرويد وضع عنوان الجنس على غلاف كتابه الشهير هذا إلا أن الكتاب لا يدرس  الغريزة الجنسية  فقط، بل  يحاول أن يقدم دراسة في أسباب الأمراض النفسية وبحث في أسبابها،وبالرغم من أن الكتاب زاخر بتفاصيل النشاط الجنسي، فإنه لايمس طبيعة الجنس في ذاته، والواقع إن الكتاب يعد مرحلة هامة في تفكير فرويد وفي نظرية التحليل النفسي عامة. هذه المرحلة التي تم الكشف فيها عن نظرية– الرغبة الجنسية – والتي يؤكد فيها أن مرض العصاب ينشأ من أمور جنسية طفولية، ويضيف أيضاً إن الأمور الجنسية الطفولية المكبوتة ليست وقفاً على الذين أصيبوا بعصاب في وقت ما من أوقات حياتهم ولكنها موجودة عند كل إنسان وتشكل عاملاً مهماً في حياته.كان فرويد يريد أن يبحث عن جذور أزمة الإنسان المعاصر، وما أن عثر على الرغبة الجنسية كقوة دافعة، سعى الى دراستها باعتبارها قوة صانعة لمصير الإنسان، حيث تنعكس على علاقاته الاجتماعية، فيتحول الجنس الى مخدر ينجح في امتصاص العواطف الممزقة، لذلك يكتب لورنس :"إننا نعيش في عصر مأساة واضحة، رغم إننا نرفض تقبله على أنه مأساة، لقد وقعت المأساة، ونحن الآن وسط الخرائب".في منتصف سنة 1856، وفي مدينة صغيرة تسمى فرايبرج، كانت تابعة للإمبراطورية النمساوية، ولد طفل لأب كان يعمل في تجارة الصوف، صارم الطباع متسلط في البيت، كانت أمه تريد أن تسميه جوزيف على اسم والدها، لكن الأب أصر على أن يسميه سيجموند، ليحمل الاسم الثلاثي سيجموند شلومو فرويد. ولد هذا الطفل الذي سيعنى بآلام النفس ومشاغلها وهمومها في أسرة تعج بالمتناقضات، الأم فتاة صغيرة حسناء لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها، فيما تجاوز الأب،الذي كان يعاني من العصاب، الخمسين من عمره، وهو يثير مشاعر الكرّه عند الطفل الصغير، الذي يشعر بالمنافسة بينه وبين أبيه على عطف أمه ورقّتها. في العام الثالث من عمره ولدت شقيقته الصغيرة، فعرف لأول مرة معنى الغيرة، ولهذا يخبرنا في كتابه"حياتي والتحليل النفسي"إن أسعد وأجمل سنيّ حياته هي تلك الثلاث سنوات الأولى من عمره.ونراه في كتابه المثير"مدخل الى التحليل النفسي"يؤكد على أن الأساس التكويني للحياة النفسية عند الإنسان يتم في السنوات الثلاث الأولى من العمر. وقد ظل فرويد يسترجع تلك السنوات وأحلامها فيما بعد لتكون من أهم العناصر التي بنى عليها نظريته في علم النفس، وأيضا لتكون مدخلاً لكتابة الكبير"تفسير الأحلام"الذي يعد الى جانب"رأس المال"لكارل ماركس و"النظرية النسبية"لأينشتاين، أهم ثلاثة كتب غيّرت مجرى التاريخ البشري.عندما بلغ الرابعة من عمره أصيبت تجارة والده بالكساد، وانتهى الأمر بالعائلة المكونة من الأب وزوجتين وتسعة أولاد وعدد من الأحفاد الى أن تنتقل الى فيينا، وهناك يلتحق الطفل فرويد بالمدرسة الابتدائية التي يثبت بها تفوقاً، حيث ظل الأول على مدرسته لمدة سبعة أعوام، وظهر تفوقه الخارق في حفظ اللغات، فلم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره إلا وكان يتقن الانكليزية واللاتينية والفرنسية بطلاقة. وبعد سنتين نراه ينكب على دراسة الإيطالية والإسبانية، لكن أكثر ما أثار اهتمامه وهو في سن الخامسة عشرة هو الفلسفة. كان يحلم بأن يصبح مثل الفيلسوف الألماني هيغل، عندما بلغ السابعة عشرة من عمره دخل جامعة فيينا لدراسة الطب، وبعد ثماني سنوات تجبره الأحوال المادية المتردّية لعائلته على ترك الأبحاث للعمل في أحد مستشفيات فيينا طبيباً مبتدئاً، ونراه يكتب في كتابه"حياتي والتحليل النفسي"إن تلك السنوات التي قضاها في المستشفى مكنته من التفرغ لكتابة المقالات عن طبيعة المخ، الأمر الذي دفع أستاذه أدينجر أن يطلب منه التفرغ نهائياً لدراسة المخ ويعده بأن يجد له مكاناً في معهد التشريح، إلا أن أبحاثه التي نشرها آنذاك سهلت له الحصول على منحة دراسية في فرنسا ليدرس الأمراض العصبية.وفي سبيل تلك الدراسة نجد فرويد يؤجل زواجه خمسة أعوام، ويؤكد لخطيبته وهو يعانقها إنه سيعود الى فيينا بعد أن يحقق حلمه، كان قد حزم ملابسه وأخذ معه كرسيه الخشبي"بدون ظهر"، وابتاع أرخص تذكرة قطار الى باريس ليبدأ رحلة الألف ميل الى التحليل النفسي
***********إن ما تحتاج إليه المرأة هو الاكتفاءأنهى لورنس روايته عشيق الليدي شاترلي"في لحظة غضب اجتاحته ضد  المجتمع البرجوازي، استمر في كتابتها أكثر من عامين بين خريف 1927وصيف 1929، وأمضى عيد الميلاد وحيداً بعد انفصاله عن زوجته. في ذلك الوقت كان يكتب الرسائل إلى عدد من أصدقائه، قال في واحدة منها :"يبدو لي أن الأمر الرئيس بالنسبة للمرأة هو إنها  لا يمكن تعريفها بكلمات من قبيل الحب أو الجمال أو الشرف أو الواجب أو الجدارة أو التحرر، فعلى المدى البعيد لا تمثل هذه الكلمات حقيقة المرأة"، وفي أخرى يضيف :"إن ما تحتاج إليه المرأة هو الاكتفاء، على الأقل الاكتفاء الجسدي بقدر ما هي بحاجة إلى الاكتفاء النفسي، الجنس بنفس قدر ما تحتاجه من الروح". لم يكن لورنس يطمح بكتابة رواية عن حب لم يسعد به، فالأمربالنسبة له  تحوّل إلى ارتياب وحالة من الشك في العواطف التي تريد طبقة البرجوازيين فرضها على المجتمع.. تدور"عشيق الليدي تشاترلي"حول السير كليفورد تشاترلي، رجل واسع الثراء تعرض الى إصابة بالغة  في الحرب العالمية الأولى  تركته مشلولاً ومصاباً بعجز جنسي، فانصرف إلى الكتابة والتأليف لتعويض فشله في علاقته الحميمة مع زوجته الليدي تشاترلي، التي كانت آنذاك في قمة  شبابها وأنوثتها. لم تكد تمضي فترة حتى ضاقت ذرعاً به وأقامت علاقة مع ميلورز، بستاني يعمل لدى زوجها، تحوّلت في ما بعد إلى علاقة روحية على رغم الاختلاف الطبقي الشاسع بين العاشقين، وتُوّجت في ختام الرواية بمولد طفلهما والاستعداد للزواج، حيث نجدها تغادر بيت الزوجية لترتيب حياتها من جديد.حينما حاول لورنس نشر الرواية رفض جميع الناشرين عمله، وذلك للإباحية التي وصف بها العلاقة الحميمة بين الليدي تشاترلي وعشيقها، ما دفعه إلى طباعتها سرا وتوزيعها.. وفي المرتين الثانية والثالثة طبعها في كل من فرنسا وإيطاليا من دون تصريح، وكذلك طبعت في أميركا من دون استئذانه.في رسالة إلى طليقته  يكتب لورنس :"تلقيت عرضاً متأخراً من المزورين الأوروبيين يحددون لي نصيباً مقابل حق الملكية عن كل النسخ المباعة في الماضي، والتي ستباع في المستقبل لو قبلت أن أعتمد طبعاتهم، قلت لنفسي على قاعدة : من لا يظلم يظلم، وكان علي أن أقبل العرض. تمكنت بعد ذلك من نشر النسخة الفرنسية الرخيصة، وحثني الناشرون الإنكليز على عمل نسخة منقحة ووعدوني بمقابل كبير، وأصروا على أن تكون رواية نظيفة لا تحتوي على الألفاظ الفاضحة..كنت قد بدأت أستسلم للإغراء وأبدأ في تنقيح الرواية وتهذيبها، ولكني وجدت أن ذلك مستحيل،لأنه يعني أن أقطع أنفي بالمقص ليصبح أجمل شكلاً.. ومع ذلك وعلى الرغم من كل المعارضات فإنني أعرض روايتي ككتاب أمين وصحي وضروري لنا حالياً.. الألفاظ التي تصيب بالصدمة الشديدة في البداية سيعتادها القارئ بعد أن يمضي في قراءة الرواية، هل يرجع ذلك إلى أن العقل يفسده الاعتياد، لا على الإطلاق إن الألفاظ تصدم العين ولكنها لا تصدم العقل مطلقاً.. إن أعظم الكفر ضد الحقيقة الجنسية هو اعتبارها عملاً مشيناً مع إننا جئنا من خلاله، المحافظون التقليديون يحرصون على عدم الخوض في المسألة الجنسية مع أولادهم واعتبار ذلك من المحرمات، لكنهم ينسون إن الغريزة هي المعلم الأول، وهي التي تقود أبناءها للحقائق دون معلّم". في مقالة بعنوان"ملاحظات حول عشيق الليدي تشاترلي، يلقي لورنس الضوء على الظروف التي كتب فيها هذه الرواية فيقول عن الزوج كليفورد الذي تهجره زوجته كونستانس لتضاجع حارسه :"إنه نتاج الحضارة الصناعية المادية الحديثة، مشكلته تتلخص في أن دماءه تسري فيها برودة الموت، وهو  لايفتقر الى الدفء الإنساني فحسب، بل إنه فقد كل صلة تربطه بالنساء وبزملائه من البشر، في حين أن حارس الصيد يتميز بدفء المشاعر والحيوية، ويضيف لورنس أن هناك ما يبرر استخدامه للكلمات الجنسية المكشوفة في روايته، فالهدف هو تحرير هذه الكلمات من أية دلالات بذيئة، فليس في ممارسة الجنس ما يشين أو يدعو للخجل، يقول  لورنس في دفاعه عن الرواية : :إن الإنسانية استغرقت في ممارسة الجنس دون فهمه أو إدراكه، ولهذا تحوّلت الممارسة الجنسية عبر الزمن الى فعل آلي كالح تغيض عنه الحياة ويبعث على الملل وخيبة الآمال ومن ثم فقد حان الوقت لإدراكه إدراكاً سليماً وذلك بتجديد الأفكار المتعلقة به."************في عام 1959 تولت مطبعة في نيويورك نشر رواية"عشيق الليدي تشاترلي"كاملة وبدون أي حذف منها  وذلك بعد حصولها على موافقة أرملة لورنس، وظهرت الرواية في المكتبات، لكن بعد أسبوع من نشرها أمر رئيس مصلحة البريد بمنع إرسال الكتاب عن طريق البريد باعتباره كتابا بذيئا، كما أمرت المصلحة بمنع إرسال أية نشرات دعاية عن الرواية بالبريد، ما دفع الناشرون الى رفع قضية ضد مصلحة البريد وطالبوا القضاء أن يعلن أن الكتاب ليس بذيئا بالمعنى الوارد في نص القانون القاضي بمنع المطبوعات البذيئة من التداول. وفي 21 من تموز عام 1959 أصدر القاضي الفيدرالي الاميركي حكماً لصالح الكتاب، فقد أوضح القاضي إن رئيس مصلحة البريد تنقصه الحجة  لعدم قدرته على التمييز بين المطبوعات البذيئة والمطبوعات المحترمة، وأشاد القاضي بأسلوب إخراج الكتاب على نحو محترم وبيّن إن المشتركين في شرائه قلة ضئيلة العدد ينتمون الى فئة الأدباء، وبعد ان استعرض القاضي قضية رواية"يوليسيس"لجيميس جويس والتي كانت معروضة قبل مدة أمام القضاء، خلص الى أنه لايصح اعتبار اي كتاب يتناول الجنس بذيئاً إلا إذا كان اهتمامه العام يميل الى الجنس بشكل فاضح وبحيث يطغى الجنس فيه على ما يتضمنه من أهمية اجتماعية.مات د.ه.لورنس وعمره خمسة وأربعون عاماً، وكتب في آخر رسائله : أعرف إن الشجرة ستموت في النهاية، فهل سأتخلى عن زرع بذرة، سيكون ذلك جبناً وغروراً.لم يعترف النقاد بلورنس إلا بعد مرور عقود على وفاته، فتحوّلت صورته من مجرد كاتب يهتم بالجنس ويدعو الى الإباحية،  إلى ممثل للأدب الإنكليزي في مرحلة الحداثة ووُضع أدبه في مكانته بين الموروثات الأدبية في الرواية العالمية.قبل وفاته بعام وبالتحديد عام 1929، ينشر لورنس كتاب بعنوان"فانتازيا الغريزة"يخبرنا في المقدمة إنه اراد ان يكمل به  كتاب سبق أن أرسل نسخة منه الى فرويد بعنوان"التحليل النفسي واللاوعي"، في مقدمة"فانتازيا الغريزة"يقدم التحية الى فرويد :"نشكر فرويد إنه جذب لنا الى الأرض شيئا ما، خارج كل غيوم روعتنا"، وفي سطور الكتاب يوجه نقداً للذين يعتقدون إن ما يكتبه ينتمي الى الأدب الفاحش :"إن الإهانات لتوجه إليّ في المحل الأول لأني استخدم الكلمات الفاحشة، كما يسمونها، غير إنه لا أحد يعلم على وجه الدقة  ما الذي تعنيه كلمة فاحشة ذاتها، أو ما الذي يراد بها أن تعنيه، غير إن الكلمات القديمة التي تنتمي الى ما تحت السرة من الجسد قد سارت تدريجياً محكوماً عليها بأنها فاحشة. ومعنى الفاحشة اليوم هو أن رجل الشرطة يظن من حقه إلقاء القبض عليك ولا شيء غير ذلك".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram