adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
حركة من هذا النوع لا يُمكن أن تنطلي دوافعها ومراميها حتى على مَنْ يحمل في رأسه نصف عقل، ولا يقع في وهم حيالها حتى الذي للتوّ بدأ بفكّ الخطّ. هي "ملعوبة" متكرّرة في العراق بالذات وفي الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم، وأكثر مَن يكرّرها الحكّام الأكثر ورعاً وتقوىً، في الظاهر فحسب، كحكّامنا الحاليين، وكان على رئيس الوزراء أن "يلعب" غير لعبة كبش الفداء.
وزير الكهرباء الحالي الذي سحب حيدر العبادي يده، ليس المسؤول الوحيد عن أزمة الكهرباء، ووزارة الكهرباء ليست الوزارة الوحيدة التي يتعيّن أن تُلقى على عاتقها تبعات هذه الأزمة التي بلغت من العمر الآن خمس عشرة سنة بالتمام والكمال.
رئيس الوزراء، العبادي، مسؤول وحكومته مسؤولة كذلك، ومسؤولة أيضاً الحكومات السابقة ورؤساؤها، وبالأخص نوري المالكي الذي أمضى في السلطة أكثر من نصف مدة الخمس عشرة سنة وكانت حصة حكومتيه الاثنتين أكثر من ثلاثة أرباع إيرادات الدولة بالعملة الأجنبية، ومعظمها متأتٍّ من صادرات النفط (البنك المركزي أعلن أول من أمس عن أنّ مقبوضات وزارة المالية من العملة الأجنبية للسنين من 2005 إلى 2017 بلغت 706.23 مليار دولار، وهو مبلغ فلكي، لكننا لا نجد له أثراً شاخصاً في طول العراق وعرضه: سدّ أو طريق دولية، أو محطة كهرباء كبيرة أو مشروع صناعي أو زراعي ستراتيجي، أو أقلّه قصر للثقافة أو دار للفنون أو مكتبة عامة!
فضلاً عن هذا، محنة العراقيين ليست محدودة بالكهرباء أو مقتصرة عليها.. المحنة عامة شاملة، في الماء وفي الأمن والقضاء والزراعة والصناعة والصحة والبيئة والنقل والتعليم، من الابتدائي إلى الجامعي، والحصة التموينية والاتصالات والخدمات البلدية .. وجوهر المحنة المركّبة هذه يتعلق بالفساد الإداري والمالي الذي نقل مليارات الدولارات من خانة التنمية العامة إلى خانة الحسابات الشخصية لمسؤولي الدولة، كبارهم رؤساء الوزارات والجمهورية ومجالس النواب ونوابهم ومستشاروهم ومسؤولو مكاتبهم، والوزراء والنواب ووكلاء الوزارات ورؤساء وأعضاء مجالس الهيئات "المستقلة" والمدراء العامون والمحافظون ورؤساء مجالس المحافظات وما دونهم .. جهاز الدولة رأسه فاسد، وبدنه فاسد أيضاً، ما عدا جزر قليلة ضئيلة الحجم والمساحة.
هذا الفساد الإداري والمالي المستشري في كيان الدولة والمجتمع كالسرطان في مراحله الأخيرة، يرتكز على قاعدة رصينة هي نظام المحاصصة، وهذا النظام يستند إلى دستور ناقص وقوانين غير عادلة وقواعد عمل غير سليمة جرى ترسيخها والتمسّك بها بإرادة واعية من قيادات الأحزاب المتنفّذة.
لا سحب يد وزير الكهرباء ينفع في حلّ مشكلة الكهرباء، ولا سحب أيدي وزراء الزراعة والصناعة والصحة والتعليم وسواهم سيحيي رميم العظام المنثور في أقصى شمال البلاد وشرقها إلى أقصى جنوبها وغربها.
خريطة طريق أخرى يتعيّن وضعها للخروج من هذه المحنة والخلاص من هذا المأزق .. هذه الخريطة بسيطة للغاية، رسمتها بدقة ووضوح مطالب الحركة الاحتجاجية الأخيرة وسابقاتها منذ 2011. انظروا في ما قاله المحتجّون وكتبوه لتكتشفوا الخريطة.