adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
أظنّ أنّ البنك المركزي العراقي لم يفعل شيئاً في تقريره الأخير غير أنه أشعل ناراً جديدة أو زاد من سعير نار متأججة في الأساس بدلاً من إخمادها أو التخفيف من لهيبها.
وعلى أية حال فإن إدارة البنك يُحسب لها أنها أخيراً تجاوبت مع حق الشعب العراقي في معرفة كم تلقّت الدولة من أموال (عملة أجنبية متأتية من عائدات النفط في الغالب) وكم أنفقت في الاثنتي عشرة سنة الماضية، فهذه الدولة شديدة العداء للشفافية، فالدستور مثلاً يلزم الحكومة بتقديم كشف حساب مفصّل مع كل موازنة جديدة تتقدم بها الى مجلس النواب، لكن الحكومة لم تفعل هذا في أيّ ولاية من ولاياتها ، ومجلس النواب لم يرفض في أيّ دورة من دوراته مناقشة الموازنة الجديدة ما لم ترفق بحسابات السنة المنصرمة، وكلاهما، الحكومة والبرلمان، إنما كانا يخرقان أحكام الدستور على نحو سافر.
البنك كشف في تقريره عن أنّ "إجمالي مقبوضات وزارة المالية من العملة الأجنبية، خلال السنوات 2005-2017 ما يقرب من 706.23 مليار دولار أميركي، وبلغ مقدار ما أنفق منها 703.11 مليار دولار، أي ما نسبته 99.5% من حجم الإيراد الكلي، والمتبقي كما في 31/12/2017 دُوِّر إلى رصيد افتتاحي لحساب وزارة المالية في بداية عام 2018".
البنك برّرإعلانه هذا بالقول إنه جاء "من أجل إزالة الشبهات واللبس الذي يسود هذه المسألة"،
وأشار إلى أن "هذا الإنفاق يوزع على أبواب مختلفة، أهمها التنقيد الديناري (مزاد العملة)، وهو ما تقوم وزارة المالية بإنفاقه في الموازنة العامة، إذ بلغ خلال السنوات 2005-2017 ما يقرب من 488.6 مليار دولار، أي ما نسبته 69.5% من إجمالي الإنفاق، يليه استيرادات الحكومات العراقية للمدة نفسها التي تتم عن طريق المصرف العراقي للتجارة (TBI) بملغ 156.9 مليار دولار، بنسبة 22.3% من مجمل النفقات، ومن ثم نفقات تسديد مستحقات مقاولي عقود الخدمة النفطية والمدفوعات العسكرية البالغة 41.5 مليار دولار، أي ما نسبته 5.9% من إجمالي النفقات، أما المتبقي الذي يشكل نسبة 2.3% من الإنفاق الكلي، فقد وجّه لتسديد دفعات ديون العراق وغيرها من النفقات الأخرى".
البنك عمل خيراً بهذا الإعلان، لكن ليس المهم نشر هذه الارقام، المعروفة تقريباً وجرى تداولها غير مرّة مع بعض الزيادة أو النقصان في التقديرات.. الشيء المهم الذي أغفله بيان البنك، وهو ما يريد الشعب معرفته، يتعلق بأوجه صرف هذه المليارات من الدولارات. البنك أعطى مجمل النفقات في القطاعات الرئيسة ( الموازنة العامة، استيرادات الحكومة، نفقات تسديد مستحقات المقاولين وعقود الخدمة النفطية والمدفوعات العسكرية، وتسديد ديون العراق)، لكن من دون تفاصيل للنفقات في كل قطاع، والتفاصيل مهمة للغاية، فالشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال، والشيطان الذي يكمن في تفاصيل إنفاق مئات مليارات الدولارات هذه يتمثّل في الفساد الإداري والمالي الذي "شفط" حصة معتبرة من هذه الثروة المهولة، ما ألقى بالعراق إلى وهدة التخلّف وبالعراقيين إلى الجوع والبطالة والمعاناة من سوء الخدمات الصحية والتعليمية والخدمية العامة (الكهرباء والماء....).
ربما هذه ليست وظيفة البنك المركزي لكن لابدّ للتقريرأن يفتح الأبواب أمام الهيئات الرقابية والقضائية للتحقيق في مصير هذه الثروة التي لم يظهر لها أيّ أثر ملموس في حياة العراقيين الذين عِيل صبرهم فانفجروا غير مرّة ، وكان انفجارهم الأخير قويّاً.