إياد الصالحي
صدمة وحيرة وطُلسم منتخب الناشئين "المزوّر" سمّوا ما شئتم، فتلك الفوضى المستشرية في اتحاد كرة القدم لا غرابة فيها، لكن إيّاكم أن تنساقوا وراء سياسة تجزِئة الفضيحة من صنّاعها أنفسهم لإرهاقكم في البحث عن خيوط الاتهام الرئيسة، واضعاف ردة فعل الدولة تجاه جريمة تمرّط سمعة العراق في صحف عربية وعالمية صفراء تلتقط عنه السيّئات كي يبقى في دائرة الريبة في نظر العالم، ويقلّ احترامه أمام المؤسسات الدولية المنضوي لها.
ثلاثة أيام مضت ووزارة الشباب والرياضة الممثلة للسلطة التنفيذية للحكومة لا يعنيها أمر الفضيحة طالما كانت العلاقة مع اتحاد الكرة في أوج التوتر وكل ما تتعرّض له اللعبة لا يستحق أن يترجل الوزير من قمة كبريائه الى سفح واجبه ويرابط في مكتب الجوازات العامة ومقر الاتحاد لبحث تفاصيل الإساءة لرمزية الوطن في محفل غرب آسيا وكأن ما يتناوله الإعلام العربي والأجنبي يحدث في جزر الواق واق وليس العراق!
واتخذت اللجنة الأولمبية منهجاً في دورتها الثالثة ما بعد التغيير، ملتزمة بسياسة (طنّش .. ولا تفتش) برغم هول المصائب التي واجهتها كرة القدم على صعيد الانتخابات وشبهات الفساد المالي بدلالة مثول عدد من اعضاء الاتحاد أمام القضاء ولم تزل هناك قضايا أخرى في الطريق، ولم يسأل حامي عرينها في الملاعب سابقاً نفسه: ما علاقة الأولمبية باتحاد الكرة إذن، هل أن آلية تسلّمه الميزانية السنوية تلزم الارتباط التنظيمي بين الطرفين، ودون ذلك هل تبقى قيمة للارتباط في ظل نأي الأولمبية عن مسّ طرف الاتحاد حتى بكلمة (عفواً .. نحن هنا) ؟!
ماذا بقيت من سلطات مشرفة على كيان كرة القدم المستقل بنظامه الأساسي إذا كانت الحكومة والوزارة والأولمبية تؤمِن باستقلاليته في سلوكيّه الإداري والفني الى الدرجة التي أكتفت هذه الجهات بالتفرّج على تورط ثلة من مسؤولي الاتحاد وموظفيه ومدرب المنتخب ومساعديه في فضيحة تزوير عراقية الصنع والتخطيط والتنفيذ وهي أشنع من قيام جهة أجنبية بشراء ذمم مراهقين لتحدّي سلطة الحكومة برئاسة حيدر العبادي وجهازه التنفيذي ومجابهة أمن الدولة بأجهزتها المتعدّدة بتزوير جوازات سفر للنفاذ الى أراضي العراق، الجريمة الدولية تستهدف سمعة استقرارنا الداخلي عبر التحايل على الدولة وتلك تزعزع سمعتنا الرياضية الخارجية بالتحايل على الدولة أيضاً، ألا يدفع هذا السلوك أن يُختم باب الاتحاد بشمع الحكومة بعد تكرار مشاكل الكرة؟!
هكذا يجب أن ننظر لتبعات قضية التزوير، فمسؤولية الحكومة تشديد إجراءات وزارة الداخلية لضوابطها في اصدار الجوازات وتدقيقها بالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة بالأنشطة الخارجية ومنها الرياضة، ويمكن إنشاء مكتب تنسيقي في اللجنة الأولمبية يأخذ على عاتقه تسهيل مهمّة الموفدين وتدقيق الإصدارات في سياق إداري بعيداً عن الفوضى العارمة التي تشغل موظفي المطار ووسائل الإعلام بأصداء مؤسفة نظراً لأهمية الرياضة كونها سفيراً ناجحاً ومؤثراً في مزاج الشعب وتدّفق الأمل في نفوسه كي يجابه مصاعب الحياة بمعنويات لا حدود لها.
اتحادياً، لست مع تبرئة أي اسم ورد في القضية مع تقديرنا لخدماته وجهوده في خدمة اللعبة، فالقانون وحده من يفصّل في براءة المدرب علي هادي والمدير الإداري للمنتخب علي وهيب واللاعبين المزوّرين من جهة ونائب رئيس الاتحاد شرار حيدر وزميله فالح موسى وأمين سر الاتحاد د. صباح رضا، كونه من وقّع أمر الإيفاد المرفق بقائمة تضم تسعة لاعبين مزوّرين في أثناء تواجد شرار وفالح في تركيا للتعاقد مع السويدي إريكسون، لا أن تشتّتْ القضية على الناس ويدخلوا في حلقة فوازير للضحك عليهم في تهريج تلفازي ترتفع فيه نبرة التهديد مساءً ملوّحة بكشف ملفّات مخبوءة عن الرأي العام تدين الاتحاد بفضائح جديدة ثم نصبّح على (قهقهات) سمجة تظاهراً بالطمأنينة من العقاب والتنصّل من المسؤولية، لكنها تخفي مرارة الخيبة والفشل بعدم القدرة على اختيار 23 لاعباً ناشئاً فقط يبيّضون وجوهنا ويؤتمنون على راية العراق، الأب الكبير لكل مواطن يخجل من الانتماء إليه بوثيقة مزوّرة !
رئيس اتحاد الكرة عبد الخالق مسعود لا يُعفى من المسؤولية المباشرة وهو يسارع لإصدار أمر إعفاء المدرب من المهمة باتصال هاتفي من أربيل، فهو مسؤول أمام الاتحادين الدولي والآسيوي لكرة القدم بكل ما يتعلّق بسلامة أعمار لاعبي الفئات العمرية، وليس المدرب أو المدير الإداري مع أنهما معنيان بالأمر، أما أن يرمي عبد الخالق وشرار وفالح ود.صباح وقسم العلاقات التهمة على عاتق غيرهم، فهذا يعني أن الاتحاد صوري ويُقاد من المدربين والإداريين وربما اللاعبين ومن يدعم جراءتهم في إحالة الاتحاد الى مشتبه به في قضايا تزوير بأمر إداري ووثائق سفر وأحوال شخصية تشكّل خرقاً لمبادئ اللعبة ولن تتساهل معه الغرفة القضائية التابعة للجنة الأخلاق المستقلة لدى الفيفا.
إعلامياً، لم تكن الحلقات المخصّصة لتضييف أبطال الفضيحة بمستوى المهنية الحقة، وما تتطلبه ثقافة مقدم البرنامج من إدراك مسؤول لأسئلته والمعلومات المهيّئة مسبقاً ليحقق مع ضيفه وفقاً لسلطة الإعلام ومبادئ التقصّي عن حقيقة التزوير والمشاركين فيه، لا أن يتماهى المقدّم مع ضيفه ويشاطره التبرير وينتظر منه المعلومة حسب مصلحته، مثل هذه القضية وغيرها تثبت أن إعلامنا أسير التعاطف والتآسي حدّ المشاركة في ذرف الدموع للتأثير في الجماهير مع اشخاص متهمين لم تثبت براءتهم في ملفات عرّضت الكرة العراقية للتهلكة والتخلف والتخندق والتقاتل على المنافع والتسلّح بقوى حزبية والتحذير باستقلالية "جمهورية كرة القدم" من تدخلات سلطة الدولة وتهوين ملفات دعاوى قضائية في إنفاق المال. فهنيئاً للحكومة والوزارة والأولمبية متعة المشاهدة في سينما كرة السعادة.