المدى/ بغداد
يبدو إن الحرب والخراب هما الوجع الذي يخلق الشعراء، فالكلمة المُقتضبة، ذات المعنى العميق لا يُطلقها الا أولئك المناضلون الذين يولدون من رحم دمار، ويختارون العيش وسط نيرانه، في سبيل "الارض" لا غيرها، هؤلاء يتمتعون بما لا نجده لدى الاخرين، وهو الانتماء الى الالم، ولا يُعدّ انتماءً عابراً انه امتزاج، انصهار بواقعهم وبيئتهم...
الشاعر شيركو بيكه س واحداً من هؤلاء الذين نتحدث عنهم، حيث استذكرته دار الثقافة والنشر الكردية في الذكرى الخامسة لرحيله، في جلسة قدمها الشاعر أوات حسن مدير عام دار الثقافة الكردية والذي تحدث عن سيرة الراحل قائلا " بيكه س كان من عائلة شعرية فهو ابن الشاعر الراحل توفيق بيكه س، من مواليد السليمانية عام 1940، عُدّ بيكه س من الشخصيات الثقافية المتميزة لأنه عكس سلوكه الثقافي وثورته الشعرية على احساسه النضالي كفرد وكمواطن كردي، حيث نجده سرعان ما انضم إلى الحركة التحررية الكوردية في العام 1965، عمل في مجال الاعلام الذاعي الكردي، لكن لم يطُل به البقاء في كردستان بسبب الانتهاكات التي كان يتعرض لها في فترة النظام البعثي الصدامي ما دفعه للعيش في منفاه في السويد حتى عام 1991."
لم يكُن لشيركو حضوراً ادبياً فحسب بل كان له حضوراً سياسياً حيث يذكر حسن ان " شيركو انتخب كنائب في اول برلمان انشيء في كردستان، واصبح وزيراً للثقافة في اول حكومة تشكلت في كردستان ."
ولم تكُن شهرة الشاعر والمناضل والسياسي محلية، بل صارت عالمية" فأُخذت بعض من قصائده لتدرس ضمن كتاب انطولوجيا، كما ترجمت قصائده الى اللغة العربية والسويدية والدانماركية والهولندية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية."
القاص حسين الجاف يتحدث عن شخصية الشاعر، حيث جمعهما عشق الادب، وسيرة النضال حيث قال " بإمكاني ان اجزم ان روح النضال والقصيدة كانتا موروثتين بالنسبة لنا نحن الادباء والمناضلين الكرد، شيركو ورث هذه الروحية من والده، لهذا نجد ان تجربتنا الادبية تولد مبكرة وهذا بالضبط ما حدث مع شيركو بيكه س."
الشاعر محمد حسين آل ياسين ايضا تحدث عن القصائد المترجمة للراحل شيركو بيكه س قائلا "حاول الراحل أن ينقّب عبر لغته الأم عن شظايا التاريخ الكردي الضارب في القدم، وأن يصوغ بموهبة مرهفة وعاتية قصيدة الكرد الكبرى التي أرادها أن تكون وطناً من الاستعارات لأمة مزّقتها الجغرافيا وظلمها التاريخ وجزأتها المصالح الدولية. حيث لم يترك هذا الشاعر العظيم نأمة صغيرة أو تفصيلاً بسيطاً في جغرافيا الحضور الكردي في العالم إلا وخصّه بقصيدة أو مقطوعة أو نشيد.."
كما اشار الناقد علي حسن الفواز قائلا: في عام 1970 أصدر الشاعر مع نخبة من الشعراء والقصاصين الكرد أول بيان أدبي تجديدي كردي والمعروف باسم بيان روانكه حيث دعوا فيه إلى الحداثة الشعرية والأدبية والإبداع.