اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > ياسين طه حافظ: المصالحة الخاسرة مع الحياة!

ياسين طه حافظ: المصالحة الخاسرة مع الحياة!

نشر في: 21 إبريل, 2010: 04:45 م

فوزي كريماستعدتُ قراءة ياسين طه حافظ، بعد قراءة حسب الشيخ جعفر مباشرة. الأمر الذي أملى علي رغبةً في المقارنة، قد تكون نافعة في إلقاء مزيد من الضوء على تجربة الشاعر، الذي تنصرف إليه هذه الدراسة. في دراستي لشعر حسب أوضحتُ مقدار غريزته الواعية،
 واللاواعية، باتجاه قطع الصلة مع التاريخ المحيط، والحياة المحيطة، لصالح عزلةٍ أسميتها عزلةَ المحارب، لأنها لم تكن في لحظة منها سالبة الحركة، بل وليدة جهد شاق، وفعّال. قراءة ياسين طه حافظ تكشف، منذ اللحظة الأولى، عن غريزةٍ واعية باتجاه نقيض. كلاهما تتملكه حمى السعي المثابر، ولكن كل واحد منهما إلى سبيل. والمثير أن سبيل أحدهما لا يختلف عن سبيل الآخر فقط، بل يناقضه. وموطن الإثارة في أن الشاعرين يتوافقان في الانتساب إلى الجيل الستيني، ويتوافقان في العمر، وفي تجربة الانتماء السياسي في مرحلة شبابهما الأول، وفي أنهما جنوبيان، ينطويان على ذاكرة خصبة وفعالة. الأمر الذي يفترض اختلافاً في الرؤيا الشعرية، لا تناقضاً!    إذا كان حسب مندفعاً بعنف باتجاه القطيعة مع الحياة، فإن ياسين مندفعٌ وبالعنف ذاته، باتجاه المصالحة مع الحياة، وبكل السبل التي تشاءها. وإذا كانت الحياةُ لا تكف عن التطفّل على عزلةِ حسب، واقتحامها القسري، فإنها لا تكف عن مجافاة ياسين، وتخييب أمله وظنه.     مجموعات ياسين طه حافظ الشعرية، منذ "الوحش والذاكرة"1968، حتى آخر مجموعة شعرية، "ما قاله آخر الخطباء"2009، نسج متواصل على ثيمة الرغبة في المصالحة مع الحياة، بأيّ ثمن. والحياة جافيةٌ أبداً. المجموعة الأولى تبدأ من صفحتها الأولى بـ "من يسمعُ صوت الإنسان المُلقى في الهوّة..". وتنتهي مجموعته الأخيرة بـ "وستمضون كلاً إلى جهةٍ./ وسيمضي إلى بيته،/ وسيوقد مصباحه،/ ثم يجلس وحده منكسراً/ آخرُ الخطباء."    أعرف ياسين معرفةَ صداقة منذ مجموعته الأولى. وكنت أصغره سناً، ويسبقني تجربةً شعرية، ولكنا أصدرنا مجموعاتنا الشعرية الأولى في سنة واحدة هي 1968، سنة الاحتفاء الستيني بالحضور الأكيد.     كان تعرّفُه على اللغة الإنكليزية عنصراً حاسماً في تعزيز توازنه، واعتداله. متصالح مع الحياة والآخر، هكذا يبدو، ولكنه في صراع محتدم مع ذاته. وهذا الأمر هو الذي يسّر صداقتي معه، في مقابل النفرة التي كنت أشعرها من شعراء وكتّاب تزدحم حياتهم بالصراع مع الآخر، وبالرضا عن الذات، والمصالحة اليقينية معها. وما أكثرهم بين الستينيين.    إن صراعه مع ذاته حارٌ ودامٍ. وكانت حساسيتي بالغة الحدة في التقاط العديد من لحظات ذلك الصراع، والتي كانت تُخرج ياسين من توازنه الظاهر، وتبعث الدموع في عينيه، لا بفعل الإشفاق والأسى، بل بفعل الغيظ والغضب. مرة كنا نشاهد فيلماً في سينما بابل في شارع السعدون. وكان الفيلم سوفيتياً عن حياة  الموسيقي يوهان شتراوس، في إقامته المؤقتة في بطرسبيرغ. في عمل كورالي نادر لهذا الموسيقي الذي عُرف بالفالسات الراقصة وحدها، كان صوت المنشدين، بمكبرات الصوت السينمائية،  يتصاعد ليبلغ ذرى تعبيرية أطلقت صاحبي من أسر توازنه ولياقته، ليقف صارخاً  بأعلى ما يملك من طبقة صوتية في حنجرته، استجابةً لنداء خفيّ، ومن أجل خلاص غامض. كانت لحظة وفاء رائعة للمعترك الداخلي. لا لإطفائه، وطمأنته، بل لشحنه وإشعاله.     إن غيظ الشاعر هو سيلٌ "سُدَّ في وجهه المجرى"، بتعبير الجواهري. إنه غيظ من يقف في وجه قدر ميتافيزيقي، لا حيلة له معه. ولكنه غيظ من يقف في وجه التاريخ أيضاً. فياسين يعاني شقاءً أرضياً، تاريخياً، ولكنه في الوقت ذاته لا ينصرف شعرياً إلى الصراع مع هذا الواقع الأرضي وحده، ولا مع هذا التاريخ. لأنه يعرف بغريزة الشاعر أن مهمة الشعر إذا ما انسحبت إلى صراع كهذا، ستصبح مهمة َالشاعر المؤدلجِ بموقف. والشعر لا ينطلق من موقف. إن للشعر مهمة أخرى قد تكون خاسرة، ولكنها مضيئة بمسعاها وحده. بمسعاها ذاته.    بالرغم من أن ياسين كان في أيام الشباب الأولى ذا موقف وقناعة، شأن معظم الشعراء العراقيين، إلا أنه استطاع أن يحتفظ بقصيدته سليمةً في مجراها الشعري المحتدم داخلياً، بعيداً عن مجرى الصراع مع المختلف، ومع الأفكار، والمواقف، والقناعات. أي مجرى الصراع مع الآخر، في حقل التاريخ. كان يعرف للقصيدة مهمةً أخرى قد تبدو في عيون كثيرين سلبية، عاجزة. مهمة الطامع برؤية الحقيقة بوضوح وأمانة، عبر مصفى معترك روحه، وحيرتها، وتساؤلاتها. لذلك بقي شعره خالياً من عنصر "الكراهية" رغم مرارة الغيظ.     قد تكون قصيدة "البابلي" استعارة مناسبة:جئت من قرية ربما اندثرتوتموتُ هنا نبتةً سيئةبين أنْ يُشفقَ العابرون عليها وأنْيُرجئوا تاركين إلى زمنٍ آخر قلعهاهكذاكبرتْ.عدتُ يوماً، خلعت رباطي وعلّقتهوخلعتُ بلا أسفِ بدلةَ الحفل،جلدَ المهرّجِ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram