طالب عبد العزيز
لم تعد العملية السياسية في العراق قائمة، بعد التظاهرات التي تجتاح العراق، منذ بداية تموز الماضي، الى اليوم. معالم الانهيار باتت واضحة، الشارع قال كلمته، وكل ما في صناديق الانتخابات من سفاسف صار بلا معنى، وسواء أفاز فلان أو خسر فلان، فالنتائج هي، هي، لن تغير من المطلب الرئيس للجماهير، القاضي بإسقاط الشرعية عن الطبقة الحاكمة، إذ من غير المنطقي أن يحتكم الشعب الى دستور أعوج، بثغرات لا تحصى، والى قوانين تُشرّع من التفاف كاتبيه عليه، لا هم لهم سوى ما يشرّع لصالحهم ويحميهم من غضب الشعب، لقد بلغ التردي بالبلاد طريق اللاعودة.
في آخر تظاهرة شهدتها، طافت شوارع البصرة ليلة أمس، وكنت ماراً بالسيارة صاح بي أحدهم: حاج، انزل، شاركنا التظاهر، لا تقل(شعليه) وكنت أرى سيل الشباب يطوي الشارع في تطوع فطري للمشاركة. 95% من المتظاهرين هم من الشباب، وقد اندفعوا بيأس كلي، ليس لديهم ما يخسرونه، هؤلاء وقود تغيير لا ريب آت، وكل ترقيع تحاوله الحكومة لن ينفع، من يعاين ما يحدث يجد أنه يشبه الأيام التي سبقت ربيع العام 2003، هناك غضب ويأس يعتملان معا في النفس العراقية.
الذي يتضح أن الحكومة غير قادرة على فعل شيء، بعد أن منحت المرجعية الشباب المتظاهر(هوية حق الغضب) الهوية، التي انتزعتها إرادتهم قبل كلمة المرجعية بسنوات، وسواء أخفقت تظاهرات ساحة التحرير وساحات المدن العراقية الأخرى، قبل اليوم، أو حاول البعض التقليل من شأنها، ها هي تؤتى أكلها، وإذا كانت المرجعية قد حاولت التخفيف من لهجتها ضد الحكومة، فها هي تنحاز صريحة الى صوت الجماهير، بل يبدو انها أكثر فهما من الحكومة نفسها، فما وعد به السيد العبادي للبصرة لن يتحقق، إذ أنها لن تملك الحكومة عصا سحرية، لكي تضرب بها شط العرب ليصبح ماؤه فراتا، عذباً، سائغاً، مثلما لن يكون باستطاعتها فتح خزائن الأرض ليأخذ البصري حصته وضائف وتعليما وصحة وغذاءًا.
وسط حجم اليأس والغضب الذي تنطوي عليه نفوس الشباب المتظاهر في البصرة بخاصة، حيث مازالت ألسنة الملح ضاغطة على السكان، وفرص العمل منعدمة وسط شيوع قوائم بآلاف العاملين الأجانب في الشركات النفطية داخل البصرة، والقادمين من قارات العالم السبع، يزيده الارتفاع الحاد في درجات الحرارة، حيث تبدو المدينة مثل فرن يمور بالأجساد الغاضبة، وسط ذلك كله، تتجدد المخاوف من انهيار الوضع الأمني، إذ لن تصمد الأطواق المسلحة التي تحاصر الدوائر والمؤسسات الرسمية طويلاً، مع الزمن، القضية التي تدعو الى زعامة عاقلة، متفهمة تقود التظاهرات وتوازن بين الغضب وفهم النتائج لما قد يحصل للمدينة، يزيد من تعقيده، أن المتظاهرين فقدوا ايمانهم بأعضاء الحكومة الحالية ويقينهم بان القادمين لن يكونوا بأفضل من هؤلاء.
يجري الحديث بين الأوساط العاقلة عن إمكانية تشكيل تيار سياسي، بعيد كل البعد عن الأحزاب السياسية الفاعلة في المدينة، يأخذ على عاتقه مهمة إعمار المدينة عبر الاتصال بالحكومة الاتحادية، مع الإبقاء على الحكومة التقليدية، حافظة للأمن وراعية للمؤسسات، لكنها موقوفة العمل، ذلك لأنها باتت خارج احترام المتظاهرين ومحط الشبهات والفساد.