بغداد/ المدى
المسرّات موجودة إلا أن الاوجاع غالباً ما تتربص بنا عند كل مسرّة، في رواية فؤاد التكرلي الموجعة رغم بعض ملذات صغيرة، نجد الغياب والحضور، حلاوة العشق ووجع اشتياقاته، الرحيل بصمت وبهجة العودة، الانتظار وما يحمله من عبرات، "المسرّات والأوجاع" رواية يُمكن ان نُسميها رواية كل مكان وكل يوم، فلا تموت أحداثها ولا معاناتها، حتى إننا نجد أنفسنا أحياناً جزءاً من أبطالها...
عدّها البعض جدلية مُبالغة في تناولها الجنس وهواجس الجسد، إلا أن الناقد والكاتب د. أحمد الظفيري يجد "إن الكاتب تناول موضوعة الجنس في مواقعه الضرورية والمنطقية ولم يذهب الى المبالغة فيما تناوله بل على العكس، فبطل الرواية بعبثه بجنونه يحمل هذا الانفعال وهذا أمر طبيعي."
الرواية نوقشت خلال الجلسة الثالثة لنادي المدى للقراءة في بغداد، وذلك صباح يوم الجمعة في بيت المدى في شارع المتنبي، حيث كان جمهور الرواية واسع الحضور، كثير المُداخلات، قدمت الجلسة الصحفية زينب المشاط ذاكرة " إن التكرلي قدم لنا رواية تقودنا من الحروف المقروءة الى الصورة المشاهدة فكأننا نُشاهد فيلماً سينمائياً او عملاً درامياً."
الناقد أحمد الظفيري وبعد تساؤلات عديدة من قبل الحاضرين ومناقشات واسعة تحدث عن شخصية بطل الرواية توفيق ذاكراً "إنه ليس العابث اللامبالي كما يراه الكثيرون بل على العكس، لكن إحساس توفيق وتصرفاته تعود لعمق ما عاشه من إيلام ما هوّن عليه الكثير من كبائر الأحداث والمآسي، والدليل في ذلك نجده في نهاية الرواية يبدأ بالتخلي عن عبثيته المفرطة."
ويشير الظفيري الى " نقلات الكاتب في سرديته هذه، والتي كانت نقلات فنية رائعة." مؤكداً "إن التكرلي من الشخصيات التي لاتكتب بعبث فأنا على يقين من أنه يُجدول ما يود كتابته لسنوات ثم يبدأ بالكتابة."
في مداخلة لها الكاتبة وعضوة نادي المدى للقراءة رشا الربيعي تذكر " إن البعض يجد إن المشاهد الجنسية كانت مبالغة في رواية التكرلي، ولكن في الواقع الشخصية كانت تتطلب ذلك."
كما ذكرت الربيعي " إن التكرلي يحاول أن يُبين إن الضياع الذي يعيشه الفرد ليس بسبب ما يحيطه من ظروف بل على العكس هنالك ضياع داخلي يعيشه الفرد في عمق روحه، وهذا ما سيقوله توفيق الضائع في عمق روحه فيما بعد للشاب غسان ."
أيضا قدم عضو نادي المدى للقراءة أبو عبيدة حميد مداخلة حول الجانب السياسي للرواية ذاكراً " ان الرواية تسلسلت من العديد من التحولات السياسية وتغير الأنظمة ، ونجد إن الكاتب تحدث وبوضوح عن الأزمنة السياسية التي مرّ بها العراق، ولكنه لم يتحدث بذات الوضوح عن تسلم النظام البعثي الصدامي للحكم في تلك المرحلة حيث ترك الرمزيات تتحدث عن ذلك من خلال شخصية سليمان الأعرج، الذي أصبح مديراً عاماً في الفترة الزمنية ذاتها التي تسلّم بها صدام حكم العراق وهذا كان نوع من الذكاء لدى الكاتب، أيضاً ما واجهه توفيق من عملية فصل من عمله كانت عقوبة مبالغ بها أشار اليها الكاتب بطريقة ذكية جداً، إضافة الى شخصية "ابو الادب" التي رمزت الى تدهور أحوال المثقفين منذ تلك اللحظة وحتى يومنا هذا."
الجلسة الادبية لم تخلُ من الحديث الفني، فالرواية صُيّرت فيما بعد الى فيلم سينمائي على يد المخرج الكبير محمد شكري جميل، نادي المدى للقراءة ضيّف الممثل السينمائي محمد البصري الذي تحدث عن شخصية "توفيق" التي لعب هو دورها في الرواية وقال " إن أغلب المشاهد الجنسية في الرواية غير موجودة في الفيلم، إلا ما هو رمزي." وأشار البصري الى كيفية اختياره من قبل محمد شكري جميل قائلا " أتوقع إن محمد شكري جميل كان يريدني أن ألعب دور غسان ولكن في الاختبار غيّر الدور المسند إلي."