ثائر صالح
ذاعت قصة مفادها أن الموسيقار الروسي إيغور سترافنسكي (1882 – 1971) قد قاد فرقة بوسطن السيمفونية الشهيرة، تضمن البرنامج توزيعاً "ليبرالياً" أعده سترافنسكي للنشيد الوطني الأميركي قابله الحضور في البداية بصمت تحول الى همهمة ثم انتهى الى فوضى وشغب، مما دفع بشرطة بوسطن الى اعتقال الموسيقار الروسي بتهمة تحريف النشيد الوطني الأميركي وخرق قانون ولاية ماساشوستس. الدليل الذي تبرزه القصة هو صورة لسترافنسكي بتصوير شرطة بوسطن وتحمل تاريخ 15 نيسان 1940، من الصور التي نراها عادة في الأفلام عندما تقوم الشرطة الأميركية بتصوير المعتقلين والمجرمين وهم يحملون لوحة معلقة على رقبتهم كتبت عليها أرقام وتاريخ التصوير. تحمل هذه القصة بعض ملامح الحقيقة، كالعادة مع الشائعات والأساطير.
ولد إيغور فيودوروفيتش سترافنسكي في روسيا بالقرب من سنتبترسبورغ، درس الموسيقى عند ريمسكي – كورساكوف مؤلف متتابعة شهرزاد الشهيرة. حصلت أعماله للباليه على شهرة كبيرة في العقدين الأول والثاني من القرن العشرين، عاش في سويسرا ثم في فرنسا التي حصل على جنسيتها قبل أن ينتقل الى الولايات المتحدة في أيلول 1939 لالقاء محاضرات في جامعة كمبرج، واستقر في لوس انجلس وحصل على الجنسية الأمريكية في 1945.
الحقيقة أن سترافنسكي قدم بالفعل توزيعاً جديداً للنشيد الأمريكي في كانون الثاني 1944، وهو توزيع لم يلق استحساناً من الجمهور بسبب الهارموني غير المعتاد الذي أدخله في الجزء الختامي، وهذا أمر مفهوم. بعد العرض قابل سترافنسكي شرطة بوسطن الذين أخبروه أن هذا العمل مخالف لقانون ماساشوسيتس القاضي بعدم تغيير النشيد الوطني، فقام سترافنسكي بحذف الجزء الذي يتضمن النشيد الوطني في العرض التالي. وفي الحقيقة كان ذلك تفسيراً مغلوطاً للقانون الذي يمنع استعمال النشيد للرقص أو الاستعراض أو ما شابه.
لكن ما حقيقة الصورة الموجودة في سجلات الشرطة والتي كانت أساس هذه الاسطورة؟
يدل تاريخ الصورة (15-4-40) أنها صورت قبل قرابة أربع سنوات من حادثة النشيد الوطني، بالتالي لا علاقة للصورة بها اطلاقا. لكن لماذا صورت شرطة بوسطن سترافنسكي؟ الجواب بسيط، فقد قدم سترافنسكي طلباً للحصول على الفيزا لمغادرة الأراضي الأمريكية والعودة اليها، وارفق الطلب بالصورة هذه.
سترافنسكي أحد أهم المؤلفين في القرن العشرين وأكثرهم تنوعاً وتجريب، لم يتميز باسلوب فني واحد يسير عليه طول حياته مثل الغالبية العظمى من المؤلفين، بل نرى أعماله تحمل بصمات مختلفة ولا تتشابه بعضها مع البعض الآخر. يقول سترافنسكي أنه يواجه مشاكلاً ومهاماً مختلفة عند تأليف أي عمل فني جديد، ويتطلب هذا البحث عن حلول جديدة وطرق جديدة لمعالجتها يهتدي خلال ذلك الى امكانيات جديدة للتعبير.