د. ضياء نافع
ظهرت رواية بولغاكوف الأولى – ( الحرس الأبيض) بالعربية هذا العام (2018) , أي بعد أكثر من تسعين سنة على ظهورها بالروسية في روسيا ( عام 1925) , وقد ترجمها عن الروسية الأستاذ عبد الله حبة , المترجم العراقي المعروف , والمقيم في روسيا منذ أكثر من خمسين سنة , والذي قدّم للمكتبة العربية مجموعة كبيرة ومهمة من النتاجات الأدبية الروسية لكبار الأدباء الروس مثل بوشكين وتشيخوف وبونين وأستروفسكي وتولستوي وغيرهم , ومن الجدير بالذكر هنا , إن دار (رادوغا) السوفيتية للنشر قد كلفته بمراجعة ترجمة يوسف حلاق لرواية بولغاكوف الكبرى ( المعلم وماركريتا ), وقد صدرت هذه الرواية فعلاً عن دار رادوغا عام 1990 بترجمة يوسف حلاق ومراجعة عبد الله حبه , ولهذا , فإن بولغاكوف وإبداعه كان فعلاً ضمن اهتمامات هذا المترجم الكبير , وليس من باب الصدفة أبداً , أن أخذ حبه على عاتقه ترجمة رواية بولغاكوف الأولى هذه . وعلى هذا الأساس يمكن القول , إن اسم عبد الله حبه قد أصبح مرتبطاً في وعي القارئ العربي عموماً باسم هذا الكاتب الروسي الكبير ورواياته.
تقع هذه الرواية في ( 319) صفحة من القطع المتوسط , وقد صدرت بدعم من معهد الترجمة في روسيا الاتحادية , وهو تقليد جديد ومهم في عملية نشر الأدب الروسي , وذلك بدعم ترجمته الى عدة لغات أجنبية , ومنها العربية , وكتب عبد الله حبه مقدمة جميلة ووافية حول مؤلفها بولغاكوف وروايته تلك وأهميتها في تاريخ الادب الروسي , وتبين تلك المقدمة , إن حبه هو واحد من هؤلاء المثقفين العرب , الذين يعرفون الأدب الروسي معرفة دقيقة , وهي تذّكر بمجموعة المقالات العديدة , التي كتبها الاستاذ عبد الله حول الأدباء الروس والأدب الروسي بشكل عام وأهميته , وليس عبثاً, أن تلك المقالات قد تحوّلت الآن الى مصادر مهمة بالنسبة للقارئ العربي المتابع للأدب الروسي , رغم أن تلك المقالات تتضمن في بعض الأحيان قضايا تثير النقاش والجدل بين القراء , وهذا ما نلاحظه في تلك المقدمة أيضا , ونود أن نشير هنا , على سبيل المثال وليس الحصر , الى هذه الجملة – ( استمرت التهجمات عليه من قبل المسؤولين في قسم الثقافة في اللجنة المركزية , وأغلبهم من اليهود آنذاك , ممن لعبوا دوراً رئيساً في ثورة اكتوبر وقيام السلطة السوفيتية ..) , ولا مجال الى الإشارة الى جمل أخرى ضمن هذا العرض السريع للكتاب , مثل موقف ستالين من آنّا أخماتوفا .
بولغاكوف ما زال في الوعي الاجتماعي العربي بعيداً عن مكانته الحقيقية , التي يشغلها في مسيرة الأدب الروسي وتاريخه , وربما يعود السبب في هذا إلى عدم معرفة القارئ العربي بعمق لكل ما حدث في روسيا بعد الحرب العالمية الأولى وثورة اكتوبر1917 , وخصوصاً ما حدث في الأدب الروسي بالذات , إذ أن القارئ العربي يعرف الجانب السياسي العام لتلك الأحداث ومن وجهة نظر معينة فقط , ولا يمكن تحليل معرفة القارئ العربي المحدودة هذه بكلمات قليلة طبعاً , ولكن يمكن القول بلا شك , إن بولغاكوف وقيمته الفنية وأهميته كانت خارج تلك المعرفة , خصوصاً و إن هذه الرواية ( الحرس الابيض) – كما يشير المترجم في مقدمته - لم تنشر في روسيا أصلاً عندما كتبها بولغاكوف في عشرينيات القرن العشرين , بل ظهرت في مجلة روسّية فقط , وتم إغلاقها رأساً عقاباً لها على نشر تلك الرواية , ولهذا السبب , فإن صدور الترجمة العربية لها يمتلك أهمية كبيرة وخاصة , لأنها جاءت لتعريف القارئ العربي المعاصر بالمنجز الإبداعي لبولغاكوف , وهو عمل هائل للمترجم القدير عبد الله حبه يضاف الى أعماله الترجمية الأخرى التي تتميّز باختياراتها المهمة والدقيقة وأسلوبها العربي السلس الجميل , وأذكر مرة , إن عبد الله قد أخبرني أثناء حديثي معه , إنه يعتبر نفسه ابناً للمدرسة المصرية , وقد تذكرت قوله هذا وأنا أرى اسم بولغاكوف هكذا – ( بولجاكوف) , واسم روايته ( المعلم ومارغريتا ) هكذا – ( المعلم ومارجاريتا ) , واسم غوركي – ( جوركي ) , بل حتى كلمة ( المسؤولين ) يكتبها ( المسئولين ) , ولكن كل هذه (النواعم!) لا تقلل أبداً من احترامي الشديد لهذا الجهد الترجمي الكبير , الذي قدمه عبد الله حبه للقارئ العربي , وأختتم هذا العرض الوجيز بجملة شاعرية جميلة جداً من تلك الرواية بترجمة عبد الله , وهي – ( كل شيء سيمضي مع الأيام – المعاناة والآلام والدموع والجوع والوباء , وسيختفي السيف ...أما النجوم فستبقى ...).
أهلاً وسهلاً برواية بولغاكوف (الحرس الابيض) بالعربية , وتحية امتنان لمترجمها الى العربية الأستاذ المبدع عبد الله حبه , وشكراً جزيلاً لمعهد الترجمة في روسيا الاتحادية على دعمه .