علي حسين
جميلة وظريفة وممتعة الديمقراطية العراقيّة، خصوصاً حين يخوض سدنتها نقاشاً بيزنطينيّاً حول الكتلة الأكبر، يلحقه نقاش سنسكريتي عن شكل ولون هذه الكتلة التي قال عنها عزت الشابندر بأنها المنقذ الوحيد للعراق، بشرط ان يُصر فيها السيد نوري المالكي على العودة إلى قيادتنا!
منذ أن أغلقت صناديق الانتخابات ونحن منشغلون بقضيتين، الأولى أن نثبت للعالم أنّ سليم الجبوري تعرّض لمؤامرة دولية، والثانية هي ماذا يقول الساسة في مفاوضاتهم السرية عن شكل ولون الحكومة، وتتفاقم التوقعات، بينما تتمدد مأساة المواطن العراقي ليضعوه في نهاية الأمر في مقايضة ساذجة : العودة الى حكومة التوافق الطائفي، أو الذهاب الى المجهول، وفي الفضائيات يخرج علينا كل دقيقة”كسينجر”عراقي ليشير بإبهامه إلى أن الحل معه وحده.
سيقول البعض يارجل تدّعي اليسار وحين تضرب مثلاً تذهب باتجاه مُنظّر الإمبريالية العالمية، ولكن ياسادة العالم يتغير من حولنا ونحن”محلّك سر”
عندما عُيّن هنري كسينجر مستشاراً للأمن القومي ثم وزيراً للخارجية الأميركية بدا الأمر مفاجئاً للجميع، فليس من السهل أن يعطى هذا المنصب، لرجل مولود في ألمانيا، لكنّ هذا الرجل القصير استطاع أن يلمع في العالم فقفز من مجرّد صحفي يعمل في صحيفة أُسبوعية الى واحد من أهم رجالات السياسة الامريكية، يجلس في مكتبه لتمرّ من أمامه كل الاوراق المتصلة بالشؤون العسكرية والداخلية والخارجية، واضعاً ضوابط سياسية صارمة، إنه يذكّركم حتماً بالسيد إبراهيم الجعفري الذي أخبرنا أنّ ذات يوم ان دجلة تنبع من ايران!
في كتاب جديد صدر عن عميد الدبلوماسية الاميركية بعنوان”كيسنجر المفاوض”، يقدّم ثلاثة أساتذة من جامعة هارفارد دراسة لواحد من أنجح صانعي الصفقات في كل العصور. يظهر كيسنجر في هذا الكتاب مثل تلميذ سريع التعلم، وستراتيجي جريء ومطارد لا هوادة فيه من اجل مصلحة بلاده فقط.وفي الكتاب يحدد كسينجر الفوارق بين السياسي البليغ والسياسي العميق، الاول يحب الميكرفونات، والثاني يسعى لبناء الدولة بدون ضجيج.
ربما لو عاش كسينجر في العراق فإنه سيصبح مثل معظم سياسيينا، الذين لايختلفون عن صيف العراق الذي يتمدد على راحته، فهم في كل يوم يُمددون لأنفسهم، مرتاحين على الكراسي، ونحن كالعادة سنتمدد في اللامبالاة مرددين المثل الشعبي :”في آب اللّهاب.. اقطف العنب ولا تهب”، ولهذا سيقطف عزة الشابندر أعناب الصيف، ولن يترك لنا سوى قطف الخراب والجهل واحاديث الجعفري.