عدوية الهلالي
بعد عام 2003 ، بدأت حفلات التعارف بين المعارضين للنظام السابق الذين وفدوا الى العراق ل(ينقذوه) مما حاق به خلال النظام الدكتاتوري البائد وبين المواطنين البسطاء ..صارت كل كتلة أو شخصية سياسية تعلن عن نفسها بالطريقة التي تجدها أكثر تأثيراً في النفوس ... منهم من أمسك بخيوط الدين ليحركها حسب أهواء الناس عملاً بمبدأ ان العمل بمبادئ الدين يشيع الاطمئنان في النفوس خاصة وإنهم رفعوا الحواجز عن الطقوس والشعائر التي كان البعض يحلم بممارستها دون خوف من الحكومة ومنحوا الناس حرية التعبير عن ولاءاتهم الدينية ..ومنهم من جاء خبيراً بلعبة السياسة فاجتهد في اطلاق الوعود ببناء بلد حر ومزدهر ...
في إحدى تجمعاتهم التي كان المواطن يتوقع منها خيراً ، خرج من بين الجمهور رجل مسن تمكن بالكاد من الوصول الى إحدى الشخصيات المعارضة الشهيرة ، ورغم تلكؤه في السير وارتعاشة يديه ، أطلق صوته ليسمعه ذلك المعارض الهمام ..قال له بعتب مشوب بالأمل :" انتظرناكم طويلاً " ..ويبدو أن هذه العبارة انعشت غرور المعارض واكتسبت رضاه فاتسعت ابتسامته الثعلبية ليقول للعجوز الفقير :" انتظرونا ...سنمنحكم عراقاً جديداً "....
وهكذا كان فعلاً ..فنحن نعيش اليوم في عراق جديد بكل المقاييس ..عراق اختلطت فيه الأوراق وتشابكت فيه الرؤى وغابت الأحلام والآمال ..ربما غاب عنه الرجل العجوز أيضاً فقد كان مسناً وفقيراً يبدو عليه المرض ولااظنه واصل الانتظار الذي طالبه به السيد ( المنقذ) ، لكنه وإن رحل فهناك ملايين من العراقيين ينتظرون ..ربما كفوا عن الحلم بمستقبل مشرق واكتفوا بانتظار ماستسفر عنه الأحداث السياسية المضطربة أبداً والتنازعات المتواصلة فماعادوا يحلمون إلا بالقليل ...لقمة تسد جوعهم وسقف يأويهم ومصدر رزق يعينهم على الصمود مهما كان بسيطاً او مهيناً أحياناً ..وهذه أبسط حقوق ومتطلبات أي مواطن في أفقر دول العالم..لكننا نعيش في العراق ..البلد الغني القوي بحضارته وكيانه وأبنائه، وكنا نتخيل إن الحكم الدكتاتوري وسنوات الطاغية أفقدتنا عراقنا لذا كان لابد لنا أن نسترجعه بان نساند من عادوا اليه من المنفى فاتحين محملين بالوعود للشعب المنتظر ولم نجد ضيرا في ممارسة لعبة انتظار جديدة حين قالوا لنا :" انتظرونا " فالوعود دسمة والمستقبل يعد بالكثير ...
وانتظرنا ..وساندناهم ولوثنا أصابعنا باللون البنسفجي عدة مرات ،وبعد كل مرة كنا نكتشف اننا لم نشاركهم في بناء العراق الذي وعدونا به بل شاركناهم بيعه حين منحناهم المناصب ...منحناهم الفرصة ليتقاسموه ويسلبوا خيراته ويجاملوا الدول على حسابه ..فتوريطه مع الارهاب انعش سوق السلاح الامريكي وتدمير الزراعة فيه انعش تجارة الاستيراد من دول الجوار وغير ذلك من عشرات الامثلة ...لايحق لنا الآن ان ننتظر مستقبلا افضل فقد شاركناهم في قتل آمالنا حين انتظرناهم ..ثم انتظرنا منهم الكثير ..والمصيبة إننا لازلنا ننتظر !!