احمد ثامر جهادعلى العكس من الأفلام التي تناولت الحرب الفيتنامية والتي حصل عدد غير قليل منها على جوائز سينمائية مهمة(صائد الغزلان،العودة إلى الوطن،الرؤيا الآن،الفصيل،،وسواها)تعد الأفلام التي تناولت الحرب على العراق اقل الأفلام شعبية في الولايات المتحدة.ويوصف مخرجوها بأنهم أوغاد غير وطنيين مثلما يذهب الناقد سيمون هاتنسون.
ورغم ان حرب فيتنام كانت الحرب الأقل شعبية من بين حروب أمريكا،بحسب هاتنسون،إلا انها أنتجت سينما مؤثرة وفاعلة كان لها دورها المشهود في خلق وعي مضاد للحرب في عقدي الستينيات والسبعينيات.وهو ما تحاول بعض الأفلام التي تتناول حرب العراق ان تفعله.من جهته استقبل الجمهور الأمريكي أفلام حرب العراق بفتور ملحوظ كونها تعرض أشلاء الجنود الأمريكيين متناثرة في شوارع بغداد وسامراء وسواها من المدن العراقية.لذا سجلت دور العرض أدنى نسب إقبال جماهيري على هذا النوع من الأفلام التي لم تحقق إرباحا تذكر وحظيت بشبه عزوف نقدي عن تناولها.وليس مستبعدا ان يكون حصول فيلم "خزانة الألم" على أهم جوائز الأوسكار هذا العام نوع من إعادة الاعتبار لأفلام الحرب على العراق،لاسيما مع توقعات قوية كانت تراهن على حصول منافسه"افاتار"للمخرج جيمس كاميرون على جوائز ذات شان.ذلك هو ما يمكن تسميته برسائل الأوسكار حيث تمنح المهرجانات السينمائية جوائز قيمة وتبعث في الوقت نفسه رسائل ذات معنى يفهمها متابعو الشأن السينمائي.هكذا فسر السينمائيون منح المخرج بولندي الأصل رومان بولانسكي جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين الدولي الأخير رغم خضوعه للإقامة الجبرية في سويسرا عشية التهيئة لمحاكمته بتهمة التحرش الجنسي بقاصر،باعتباره مؤازرة صريحة لبولانسكي في محنته،كما يمكن هاهنا قراءة المعنى الخفي لتكريم فيلم(خزانة الألم) كأول فيلم عن حرب العراق يحصل على خمس جوائز اوسكار بينها أفضل فيلم وأفضل إخراج لكاثرين بيغلو لتكون أول امرأة تفوز بجائزة أفضل إخراج في تاريخ الأوسكار.****يتحدث (خزانة الالم) عن كتيبة أمريكية لتفكيك ورفع الألغام تتعرض لمآزق كثيرة وتفقد بعض أفرادها جراء عمليات رفع العبوات التي تستهدفهم.بالقياس لأفلام أخرى سبقته لم يقدم هذا الفيلم شيئا جديدا في رؤيته السينمائية او معالجته الدرامية رغم محاولته إيصال هول المعاناة التي يعيشها الجنود الأمريكيين جراء الحرب على العراق.الا ان ما يحسب لهذا الفيلم الذي أنتج بميزانية متواضعة هو انحيازه لما هو ذاتي بعيدا عن بروباغندا الاعلام حينما قدم صورة واقعية لضياع للجندي الأمريكي الذي يجد نفسه في مكان آخر اقل قسوة من مخاطر الحرب وعبثها.ان عدم الإقبال على الأفلام التي تناولت حرب العراق مع أهمية بعض منها كـ(معركة حديثة،منقح،وادي أيلاه،إيقاف تسريح) يعود في جزء منه إلى شيوع وسائل اتصال جديدة كالانترنيت باتت تهدد بجاذبيتها وسهولة تعاطيها ما احتكرته الصورة السينمائية على مدى عقود ماضية كأداة فنية بالغة التأثير.وهو ما دفع بعض مخرجي الأفلام الوثائقية وحتى الروائية إلى استثمار بعض المشاهد المعروضة على المواقع الالكترونية التي تخص الحرب على العراق،وتوليفها في سياق سينمائي يراهن على صورة اشد مصداقية وقدرة على توصيف ما يجري على ارض الواقع كما حصل في فيلم (منقح) للمخرج بريان دي بالما والذي يعد احد أهم الأفلام التي تناولت هذه الحرب.في المقابل نجد ان الرأي العام الأمريكي المحاصر بسيل من الصور الباسلة للجنود الأمريكيين أصبح مخترقا بمشاهد العجلات المفخخة والذبح الصريح على موقع اليوتيوب وسواه.ولا حاجة ماسة لان يبلغنا الفيلم بذلك.وهو ما جعل أفلام الحرب على العراق اقل ترفيها بالنسبة لمواطنين أمريكيين يدفعون المزيد من الضرائب ويأملون بعودة ذويهم سالمين من جنون الساحة العراقية.لكن هذه الأفلام في المقابل تلتقي في نقطة أساسية لم تتوفر عليها الأفلام الأمريكية التي تناولت حروب أمريكا السابقة،وهي انها جميعا تنطلق من فكرة معارضتها للحرب.ففي فيلم (ايقاف تسريح) يصل الأمر إلى حد ان بطل الفيلم يحرض زملاءه على عدم العودة إلى جحيم العراق بعد ان هرب من الخدمة العسكرية اعتراضا على جنون هذه الحرب التي أفقدته اعز أصدقائه.فيما يقع الجنود الأمريكيون ضحية كوابيس أفعالهم البشعة التي اقترفوها بحق الأبرياء في فيلمي (الأصداء وشجعان الوطن).رغم الذي تقدم لا يمكن لنا ان نعد إقبال الجمهور أو عدمه على نوع من الأفلام السينمائية معيارا نهائيا للحكم على جودة هذه الأفلام من الناحية الفنية والفكرية،ذلك ان الجمهور ذاته مختلف في ميوله واهتماماته،كما ان عوامل أخرى تدخل في تحديد شهرة هذا الفيلم او ذاك او في مستوى قبوله.بكل الأحوال فان الدراما الحقيقية لحرب العراق التي يعيش العالم اجمع فصولها المتتالية اشد تأثيرا مما يمكن لكاميرا أي مخرج فعله.ما الذي يمكن أضافته للمشهد المؤذي الذي تداولته وسائل الإعلام مؤخرا والذي يصور مقتل 12 عراقيا بنيران مروحية أمريكية في بغداد عام 2007 بما يشبه لعبة كومبيوتر باردة؟ستبدو صورة حرب العراق مفبركة تماما إذا ما حادت عدستها عن توثيق قلب المأساة صوب البطولة الزائفة.
صورة حرب العراق على الشاشة الأمريكية
نشر في: 21 إبريل, 2010: 05:36 م