محمد توفيقوانت تدور في الشارع ترى أشياءً كثيرة غريبة وطريفة، فترى رجلاً مجنوناً يسير ويشتم ولاتعرف من يشتم وحينما تنظر اليه يخزرك بنظرة قاسية، ولاغرابة في ان تجد امرأة عجوز نائمة بجنب جدار، أو أخرى
وقد أكلها الوسخ يقال ان النظام السابق زرقها أبرة كونها محامية وقالت كلمة حق في محكمة ما، وليس غريباً ان تجد مجموعة من النساء والرجال يفترشون باب احدى عمارات الأطباء في السعدون بانتظار الطبيب الفلاني، قسم منهم جاء من العمارة وقسم من الديوانية والآخرون من أرض الله الواسعة في العراق، كما ليس غريباً ان تجد صبياً يبيع حاجيات ليعيل عائلته بعد ان فقد والده في عملية ارهابية، أو امرأة تبيع هي الأخرى سكائر أو سمكاً لتعيل ايتامها، كل ذلك وهذا الانسان يتحمل ويؤمن بالمستقبل، وينظر للوراء بغضب. هذا جزء مما موجود في الشارع اليوم، وهنالك أشياء أخرى كثيرة، والكثير منها يدلل على عمق الانسان العراقي وتحمله الصعاب وتمكنه من تجاوزها، والقليل منها يدلل على يأسه مما يحصل.لقد كان العراقي خلال السنوات الماضية والتي قبلها يضرب مثلاً للعالم كله على انه يتحطم ولكن لن يهزم على حد تعبير الكاتب الروائي آرنست همنغواي، وأراد الأعداء ان يهزموه خلال السنوات السبع التي مرت، بالتفجيرات والقتل وزرع الطائفية والتهجير وبقي يراهن على انتمائه ولم يتنازل عنه وهو كان يعيش في أحلك الظروف وأقساها ويراهن على ان قادمات الأيام تحمل خيراً وفيراً وتتحول الظروف من الصعبة الى السهلة، لأن طبيعة الحياة هكذا، ولم نسمع عن شعب طاله العذاب والمرارة مثل الشعب العراقي، أو انه خاض حرباً تلو أخرى، ومأساة تلو مأساة، ولم ينلوي ولكننا شاهدنا الرجال المتجبرين على شعوبهم والطغاة من كل الجنسيات من أول وهلة يهزمون وتراهم أمام العدالة وكأنهم جرذان، يخشون من أي شيء، وقبل يومين شاهدنا الارهابيين اللذين ذبحا آلاف العراقيين بسياراتهم المفخخة وعبواتهم الناسفة وترملت مئات النساء بسببها كما فقد المئات من الأطفال آباءهم وتفننا في زرع أنواع الفتن وهما (أبو أيوب المصري وأبو عمر البغدادي) اللذان نفقا في الحفرة التي كانا فيها بعد ان طالتهما ضربات الصواريخ، وتحولا الى شذر مذر، ولكن هل يرعوي من يسلك طريقهما ويؤمن بأن الديمقراطية هي أسلم الطرق لقيادة الحياة، لأنها توفر كل ما يحتاج اليه الانسان من حقوق وتمنحه الكرامة وتضمن له حياة من يأتي بعده؟ نعم ان الديمقراطية هي الأسلم والأفضل والدليل ما تعيشه شعوب الأرض من رفاهية ورخاء وأمان وهي ترفل بعيش سعيد في ظل هذا النظام الذي جعلهم في منأى عن القتل المجاني، وأنا أكتب مقالي هذا تذكرت الحديث الذي دار بين أثنين من الأصدقاء وكان لأحدهما رأي في الذي يجري عندنا الآن وبدأ صوته يعلو ويعلو ما أثار حفيظة الحاضرين حتى بادره الصديق الآخر قائلاً: لماذا لم تذكر عيوب النظام السابق في ذلك الوقت وهي كثيرة اذا كنت بهذه الجرأة والشجاعة فأجابه: كنت أخاف من النظام لأنه كان يعدمني وييتم أطفالي، فقال له صاحبه: لماذا تتكلم الآن وبهذه الطريقة التي يسمعك فيها جميع الجالسين فأجاب: لا أخاف الآن لأن الحكومة لا تعدمني، فضحك صاحبه وقال: هذا أهم شيء منحته لك الديمقراطية انها جعلتك تتكلم بصوت عال وفي مكان عام من دون خوف من أحد!
وقفة ..عن الديمقراطية والحفرة
نشر في: 21 إبريل, 2010: 05:40 م