بغداد/ زينب المشاط
عدسة/ محمود رؤوف
لها تحدٍ تاريخي قبل أن تُخلق الى هذه الحياة، فعبر التأريخ هي من أسرة أرمنية واجهت بطشاً تركياً،فهربت لتنجو الى العراق وتصبح من روّاد المسرح العراقي حيث كانت السيدة الأولى التي تعتلي خشبة المسرح، والسيدة الأولى التي درست فن المسرح، لتنطلق بتقديم أهم وأضخم الأعمال المسرحية العراقية، وتحصد العديد من الجوائز المحلية والدولية في المهرجانات المسرحية الرصينة، الفنانة آزادوهي صاموئيل والتي لُقبت بقديسة وراهبة المسرح العراقي، سيدة امتلكت قدراً كبيراَ من البراءة كما امتلكت حِرفية عالية في أدائها المسرحي.
الفنانة التي لم تُنسَ إلا أنها بقيت مهملة كما هو فننا العظيم مهمل، لتستذكرها المدى في إحدى جلساتها الممنهجة بشكل أسبوعي وذلك صباح يوم الجمعة الفائت في مقر بيت المدى في شارع المتنبي، وبحضور فني كبير من قبل كل من عاصر الفنانة، ليتحدثوا عنها بأحداث وأعمال ومواقف جمعتهم بها:
راهبة المسرح العراقي
لم تكن تلك العائلة الأرمنية الهاربة من بطش الأتراك والحاطة رحالها في العراق تعلم إن من بين أفرادها قديسة المسرح العراقي وراهبة مترفعة بمسوح المسرح، هكذا قدم الناقد الاكاديمي المسرحي د. سعد عزيز عبد الصاحب سيرة الفنانة آزادوهي صموئيل ذاكراً " إنها قامة فنية وأدائية كبيرة في المسرح العراقي، وكأنها الأمّ تريز، تصوّر شخصيات تكبرها عمراً وكأنها أدركت التعب من الصغر لتسند لها أدوار الأمّ وهي صبية ذات الـ 25 عاماً، حين استقدمتها فرقة المسرح الحديث لتكون أول فتاة تصعد على خشبته لتمثل مع عرابها يوسف العاني مسرحية دراهم 1956."
قدمت صموئيل بعدها في معهد الفنون الجميلة كأول طالبة تنضوي تحت فرع التمثيل في عام 1959 قسم المسرح، وتابعت بعدها تقديم أعمال منها حرمل وحبة سودة، وذلك عام 1958 حتى تخرجها من المعهد عام 1963، وعُيّنت بعدها في النشاط المدرسي الذي فُصلت منه لاسباب سياسية، ويشير عبد الصاحب الى " أن الفنانة ورغم عملها فيما بعد في أعمال الصالونات إلا أن الفن ظل ملازماً لها حيث قدمت عملاً مسرحياً بعنوان فوانيس وآخر بعنوان نسيمة وأعمال أخرى."
في عام 1968 عادت آزادوهي صاموئيل للعمل في النشاط المدرسي وتركز مكان عملها في مدينة الرمادي حيث شكّلت فرقة مدرسية هناك وقدمت الكثير من الأعمال من خلالها كمخرجة وممثلة.
ثم نقلت خدماتها للفرقة القومية للتمثيل وقدمت معها أفضل وأشرف الاعمال المسرحية وانفتحت من خلالها على العالم العربي ممثلة متمرسة بمسرحيات عديدة . كما إن لها تكريمات عديدة محلية وعربية وهي الحاضرة الغائبة التي طالما حلمت بمسيرة مسرح عراقي غنية.
حفلة الماس
حركتان مهمتان في حياتها الفنية الأولى أثناء عملها مع الفنان عزيز عبد الصاحب، والأخرى العمل مع الفنانة آزادوهي صاموئيل، حيث شاهدها أثناء تمارينهم في مسرحية عطيل، يتحدث الفنان عن مصادفاته وعمله مع الفنانة قائلاً " طلبت منها العمل معي في مسرحية العاصفة ورغبت بأن تكون واحدة من أبطال العمل إلا إنها اعتذرت مني وأخبرتني إنها تحبني لكن منطقتي في العمل ليست منطقتها، وفي عمل ثانٍ وحيث كانت تلك الفترة الاجواء السياسية قوية وكان الفن مؤدلجاً بعض الشيء، فأصبح هنالك انقطاع بيني وبين البعض فنياً، ولكني حاولت أن أقدم عملاً مسرحياً آخر من كتابة يوسف الصائغ وعملت معنا هي في باديء الأمر ثم اعتذرت أيضاً لأنها لم تستطع تفهم ما أرغب تقديمه في المسرح، ولكن المفاجأة كانت في عمل حفلة الماس حيث أخبرتها إني أرغب أن تعمل معي وتعيش تجربة الفن، ورغم إنها كانت تعاني في التمارين إلا إنها اثبتت جدارة كبيرة، وعملت دون تفكير فصار لها قدرة إخراجية أيضاً فيما قدمته وهي أول فنانة عراقية تتوج عربياً من خلال مهرجان قرطاج للمسرح."
يوسف العاني يغني
تعرّف بها من خلال مسرحية يوسف العاني يغني يذكر المخرج والأكاديمي المسرحي عقيل مهدي يوسف " كنت قادماً من بلغاريا وقدمت هذا العمل المسرحي ووجدت امرأة متحمسة لما سنقدمه فهي تحب الاطلاع والعمل مع أكثر من فكر وتوجه للإفادة من طرق التفكير المتنوعة." بعدها أحضرت صاموئيل نصاً بعنوان " نسيمة" ليوسف العاني وطلبت من مهدي أن يعمل على إخراجه ولكن لم يحدث ذلك.
تحدث مهدي عن الجانب الانساني للفنانة قائلاً " بعد تدهور العمل المسرحي أخذت تقدم العديد من العروض المونو دراما، فهي امرأة لم تتزوج إلا إنها فجرت هذه العلاقة من خلال ما قدمته بأعمال مسرحية عظيمة إنها امرأة راقية جمعني آخر لقاء بها في أرمينيا وكانت شديدة المرض والذبول."
نساء في الحرب
الفن العراقي لم يستطع انجاز اكثر من 7 ممثلات ينطبق عليهن مفهوم الاحتراف والالتزام ومن ضمنهن السيدة آزادوهي صاموئيل كما ذكر المخرج كاظم النصار واصفاً إياها "أجدها طفلة بلباس الكبار إنها طفلة زاهدة كريمة وعنيدية، تجربتي معها في مسرحية " نساء في الحرب" أبرزت العديد من الجوانب الانسانية لهذه السيدة، حيث لعبة الفنانة دور ممثلة أغلق مسرحها بسبب الوضع السياسي."
يذكر النصار "إن المسرحية كانت صعبة الإخراج وذلك بسبب الظرف الانتاجي لعام 2005، ولكن رغم ذلك استطعنا تقديمها وعرضت في عمان، وأسبوع المدى الثقافي، وفي مهرجان القاهرة التجريبي، وحازت الفنانة آزادوهي صاموئيل على جائزة أفضل ممثلة لعام 2006 ولكن اللجنة المؤلفة من 11 شخصاً وبفعل الجدوى قالوا ما الجدوى من منح جائزة لفنان عمره أكثر من 60 عاماً، فأعطيت الجائزة الى شابة فلسطينية."
التجربة معها في هذه المسرحية كما يذكر النصار " أبرزت الجانب الإنساني وبعض الطرائف، فهذه المرأة تمتلك الدهشة الأولى والبراءة الأولى ولها تكنيك في الفعل الادائي وليس لها أي تكنيك في الفعل الاجتماعي وهي تسجل في علامات البراءة والطفولة ."
جيل ذهبي
الحديث عنها يُشكل حديثاً عن جيل ذهبي اقتحم الساحة الابداعية يذكر الدكتور زهير البياتي إن ازادوهي صاموئيل " حققت موقعاً متقدماً مع زميلاتها ناهدة الرماح وزينب وزكية الزيدي إضافة الى جيل الكبار من المبدعين في فرقة المسرح الفني الحديث، كما شقت طريقها بقوة وثقة عالية وأثبتت حضوراً كبيراً ليس على مستوى المسرح بل على مستوى الاذاعة والتلفزيون والسينما وعاشت تجارب ثرة منها في الرمادي حين عملت في المجال المدرسي مع عزيز العاني، وقدمت أعمالاً كثيرة."
وكان لدور الفنانة العائلي أثر كبير في مسيرتها الفنية حيث إن عائلتها لها أثر كبير في التقدم وارتقاء الابداع وعائلتها تميل للفكر اليساري المتطور والمتفتح على الحياة."
مداخلات
شهدت الجلسة مداخلات عديدة منها للاستاذ عبد الوهاب حمادي الذي عاصر الفنانة من خلال حضوره الأعمال المسرحية، وجلساته الثقافية إضافة الى حضور الندوات الموسيقية ويذكر حمادي إنها كانت لاتفوت جلسات ثقافية وموسيقية وفنية، كما تحدث الاستاذ والاكاديمي د. جبار محيبس عن الفنانة ذاكراً " لاإنها من أهم ممثلات المسرح، وهي من تلك السيدات اللاتي لا يملكن نظرة مادية للحياة ولا يهمهن مغريات الحياة."