طالب عبد العزيز
الفساد الذي استشرى وصمت القضاء حياله وتراكم الخراب الذي أسّست له الحكومات المحلية في البصرة، أغلق الطرق أمام الحلول الآنية، التي تطالب بها الجماهير الغاضبة، المطالبة بحقوقها في الماء والخدمات، وما حدث ليلة أمس من حرق المبنى الحكومي في المدينة كان نتيجة طبيعية لتغافل حكومتي بغداد والبصرة عن تأمين أبسط متطلبات الحياة. يقول أحد المسؤولين المحليين بأنهم في المجلس لم يكونوا يعلموا بأزمة الماء التي عصفت بالبصرة. فيما تكون سنوات تسع، بليالها ونهاراتها قد مرّت على أول لسان ملحي يندلع في شط العرب.
عجزت الحكومة عن الاستجابة، ولم تستطع تأمين الحلول السريعة فيما مضت ثلاثة أشهر على دخول الماء المالح بيوت البصريين، منصباً من حنفيات الحمامات والمطابخ وصنابير الحدائق، وازداد تأثيره حين تسبّب بأمراض عديدة وإصابات بين السكان، قللت من شأنها وزيرة الصحة مثلما قلل فريق الإنقاذ الذي شكّله مجلس الوزراء من الأزمة، وغادر المدينة قافلاً، لا يملك حلاً، وكانت كرة ثلج الغضب البصري لن تكبر أكثر من حجمها الذي أفصحت عنه في تظاهرات ساحة عبد الكريم قاسم، التي لا تبعد عن مبنى المحافظة سوى بضعة أمتار، المبنى الذي صار غرضاً لقناني المولوتوف التي تناوب على رميها الشباب اليائس.
كانت نداءات المثقفين أكثر أهمية من خطب الجُمُعات الكربلائية، التي باتت محل تندر الشارع، لكنَّ الكتل الإسلامية التي تمسك بمقبض السلطة لا تسمع لأحد، وحين كانت النداءات تلك ترسم الخطوط الآمنة للاستمرار قوبلت بالرفض والسخرية. هناك اعتقاد لديهم بأن البندقية لن تخرج بين أبناء الطائفة الواحدة، أو أنها ستصمد طويلاً أمام الغضب والرفض الشعبيين، فيما وجدنا بين الجنود والشرطة، ضباطاً ومراتب، الكثير ممن تعاطف مع الغضب، وانحاز الى الأذرع الصادقة التي تطالب بالتغيير، والتي تجد في استمرار هؤلاء الحكام استمراراً للموت، ومع يقيننا بأن الحرق والرصاص ممارستان متصلتان بالسلوك الجمعي، الذي أنتجته السياسة التي عطّلت القانون واستباحت القضاء، في مرحلة السنوات الـ 15 الماضية من حكم الإسلاميين، بعد التعسكروالتخندق الطائفيين، اللذين شابا الحياة في وسط وجنوب العراق، جراء سحب الناس الى منطقة الاحتراب، فيما كان تجنبها ممكناً، لو أعمل العقل فيها.
إذا كانت الحكومتان الاتحادية والمحلية عاجزتين عن احتواء الأزمة في البصرة، وكانت الجماهير لا تردع بالرصاص والغاز المسيل للدموع، ولن تتخلى عن غضبها أمام ذلك، لذا يتوجب على الفريقين الركون الى طرف ثالث، ألا وهو تأسيس حكومة إنقاذ قوية، من الشخصيات المعروفة بقدرتها في الإخلاص والأمانة، شريطة أن تمنح صلاحيات رئيس الوزراء في التنفيذ، دونما الرجوع الى موافقات إدارية عقيمة، حكومة يشرف على أدائها فريق فني وقضائي من أبناء المحافظة، تتولى مهمة إقناع الجماهير بوجوب التهدئة والصبر، ذلك لأن التعاقد مع الشركات الأجنبية يستوجب تحقيق القدر الكافي من استتباب الأمن. فلا إعمار ولا دخول لشركات كبيرة تعمل في الماء والكهرباء والمجاري دونما وجود فريق أمني قادر على لجم جماح الخارجين. والبصرة تملك من المخلصين في الرجال ما يجنبها الدم والقهر.