ثائر صالح

نجد في البيانو "الكبير" (أو البيانو القياسي) ثمانية وثمانين من المفاتيح، 52 مفتاحاً أبيض و36 مفتاحاً أسود. تطور البيانو كثيراً منذ ابتكاره من قبل صانع الأدوات الموسيقية بارتولوميو كريستوفوري (1655 - 1731) من مدينة بادوا الايطالية في حدود سنة 1700. عمل كريستوفوري لدى فرديناندو دي مديتشي أمير بادوا منذ 1688 لتصليح مقتنياته من الهاربسيكوردات والأدوات الموسيقية الاخرى، وصنع له بعض الأدوات، منها سلف البيانو الذي يختلف عن الهاربسيكورد بوجود مطارق مغطاة بالجلد لضرب الأوتار. اسميت الأدوات الأولى التي صنعها كريستوفوري باسم بيانو إي فورته، أي "خافت وعالي" كناية عن قدرتها على التحكم بديناميكية الصوت (أول اشارة في هذا الخصوص كانت في 1711). أصبح اسم البيانو لاحقاً فورتبيانو أو بيانوفورته، حتى بدايات القرن التاسع عشر (حوالي 1830) عندما شاع الاسم المختصر، بيانو. ولا يزال اسم فورتبيانو مستعمل باللغة الروسية للدلالة على البيانو حتى اليوم.
كان مدى البيانو في ذلك الوقت أربعة اوكتافات (دواوين) وكان عدد المفاتيح 49 مفتاحا. والاوكتاف هو المسافة بين النغمة وجوابها، والكلمة مشتقة من اوكتا أي ثمانية باللغة اللاتينية، وعدد المفاتيح البيضاء هو سبعة (زائد المفتاح الثامن وهو نغمة الجواب). أما إذا أخذنا في الحسبان المفاتيح السوداء وعددها 5 سيكون العدد الكلي للنغمات في الاوكتاف 12 نغمة حسب السلم الموسيقي الأوروبي. ونعرف أن عدد النغمات في الاوكتاف في الموسيقى العربية أكثر من 12، بسبب الاختلاف في بناء السلالم الموسيقية وتركيب الأبعاد الموسيقية.
ازدادت شعبية البيانو ولكن مداه الصوتي المتواضع حدد من امكانية التعبير، لذا بدأ الحرفيون بتوسيع المدى الصوتي وزيادة عدد المفاتيح منذ عهد هايدن وموتسارت اللذان عزفا على بيانوات بخمسة اوكتافات (58 مفتاح). مع حلول منتصف القرن التاسع عشر أصبح البيانو أحد أهم الأدوات الموسيقية، وظهر العازفون المهرة وألف مؤلفون مثل فرانس ليست وفريدريك شوبان أعمالاً معقدة وصعبة. أصبح المدى الصوتي للبيانو وقتها سبعة اوكتافات (بحدود 86 مفتاح) قبل أن تصنع شركة ستاينواي في ثمانينات القرن التاسع عشر بيانوات بثمانية وثمانين مفتاحاً، وغدا هذا الرقم هو المعتمد والقياسي في البيانوات حتى اليوم. وسبب ذلك أن توسيح المدى الصوتي أكثر لن يجلب فوائد جديدة، فالاذن البشرية لا تميز بسهولة الترددات التي تقع خارج المدى الصوتي الحالي للبيانو. مع ذلك صنعت بيانوات بمدى يصل 102 - 108 مفاتيح، وصنعت شركة بوزندورفر النمساوية بيانو بـ 97 مفتاحاً. توسيع المدى في اتجاه الأصوات القرار هنا هو ليس لاستعمال المفاتيح الاضافية بل للحصول على صوت أكثر ثراء بسبب الرنين التعاطفي الذي تصدره هذه الأوتار الاضافية. وهذه ظاهرة معروفة، وكانت العديد من الأدوات الموسيقية في عصر النهضة مثل بعض أنواع العود تحوي أوتاراً لا يعزف عليها تقع خارج زند العود، وظيفتها الرنين وتقوية الأصوات.