طالب عبد العزيز
لم يشهد العراق دولةً عملت على تمزيق هويته الوطنية، منذ أن بدأت فكرة الدولة العراقية الى اليوم مثل دولة ما بعد 2003 الى اليوم. ولو عدنا بالتاريخ الى مصطلح العِراقَين (البصرة والكوفة) لوجدنا أنَّ المخاطبات بين عاصمة الأمويين (دمشق) أو عاصمة العباسيين(بغداد) كانت تؤكد قوّةَ ومَنعَةَ العراق، ولم تنقص الدولة العثمانية من أهمية العراق، بل عملت على توسعته جغرافياً وتاريخياً وتمتينه اقتصادياً بوصفه واحداً من أمصارها المهمة.
ولم يشعر العراقيون بالهوان والضعف في معظم مفاصل حياتهم، مثلما يشعرون به اليوم، بعد أن أصبحوا خارج التأثير الإقليمي والدولي، إذ، لم يعد يحسب للعراق أبعد من كونه بئراً كبيرة للنفط، وهو مقاد من عصبه الى أدنى الرغبات اليومية، فبيئته خراب واقتصاده يعتمد على ما يصدره من النفط ومرهون بأسواقه العالمية وسلة غذائه كلها من خارج حدوده، بل إن سياسته الداخلية تدار من مكاتب واشنطن وطهران، كما إنه يقبع في أدنى الدرجات في التعليم والصحة والصناعة والزراعة والخدمات، وهكذا، أخرج ساسته الاسلاميون البلاد التي كانت من أكثر البلدان أهمية ومنعة وقوة من خريطة التأثير السياسي والاقتصادي.
يجري الحديث اليوم، بعد قيام أمريكا بتنفيذ عقوباتها على إيران وتركيا وعن هبوط مريع في سعر صرف التومان الإيراني والليرة التركية، ومنع دخول الدولار الأميركي من العراق لإيران ومدى تأثير ذلك على السوق العراقية، وبما أن السوق العراقية تعتمد في وجودها على البضاعتين الإيرانية والتركية، لذا ستتأثر بكل تأكيد، إذ، لو إننا تصفحنا قائمة الفطور الصباحي، داخل الأسرة العراقية لوجدناها إيرانية تركية100% وكذلك الحال بالنسبة للصناعات التكميلية الأخرى وسوق الملابس وما الى ذلك من متطلبات يومية. ضمن المتوالية هذه سيعمد التجار العراقيون الى السوق السوداء وستنشط عمليات التهريب وسيقوم كارتل الولاء الإيراني بعمل المستحيل لإنقاذ إيران من محنتها، مثلما سيقوم التاجر العراقي بدفع الرشا والأتاوات لكي تمر بضاعته آمنة، مطمئنة عبر المنافذ الحكومية الرسمية وغير الرسمية، وبذلك سيضاف الى طبقة السماسرة والدلالين والعملاء أسماء جديدة.
أما إذا قامت أميركا بعملية عسكرية على إيران فسيكون العراق المتضرر الأول من ذلك، إذ أن عملاءها فاعلون في الساحة العراقية، وهم على استعداد للتفريط بالجنوب العراقي كله بما فيه المقدسات من أجل سلامة دولة ولاية الفقيه، وهنا سينشق أبناؤنا الشيعة على وجه التحديد بين موال ومعارض، الأمر الذي لا يستبعد من خلاله قيام صراعات مسلحة بين الفريقين، وستضطر أميركا الى التدخل وستقع الحكومة العراقية في ورطة الموقف مع مَنْ مِنْ هؤلاء، وهكذا، سنجني، نحن العراقيين، ثمار ما أسست له الدولة العراقية من الضعف والهوان والمواقف غير محسومة النتائج.
أما إذا شاءت الحكومة تجنيب شعبها ويلات هذه وتلك، فما عليها إلا النأي بنفسها عن دائرة الصراع، فما نحن بمهيئين لمثلها، ولم تعد القضية متعلقة بالعواطف والانتماءات. ما تريد تحقيقه أميركا سيتحقق، والمنطقة مقبلة على متغيرات لن تسلم السعودية منها أيضاً. الخرائط الجديدة تفرض علينا مساراً لا قبل لنا به.