شاكر لعيبي
(المتاع) و(الجهاز) يعنيان على التوالي الأثاث، فالمَتاعُ من أَمتعة البيت ما يَستمتع به الإِنسان في حوائِجه، والجهاز ما يتجهز به المرء لنفسه من طعام وشراب وثياب ومفرش (جِهازُ الميِّت والعروس والمسافر مثلاً). فكيف رُبطت هاتان المفردتان في لسان العرب بفَرْج المرأة، فيقال (جهازها) أو (متاعها) أي عضوها الجنسيّ. لنرَ أولا الجهاز في (لسان العرب): جَهاز العَرُوس والميت وجِهازهما هو ما يحتاجان إِليه، وقد جَهَّزَه فَتَجَهَّز وجَهَّزْتُ العروسَ تَجْهِيزاً، وكذلك جَهَّزت الجيش. وجَهَاز المرأَة حَياؤُها، وهو فَرْجها. وفي الحديث أَنه جَهَّز فاطمة في خَمِيل وقِرْبة ووِسادة أَدَم؛ الخَمِيل والخَمِيلة هي القَطِيفة وهي كل ثوب له خَمْل من أَيّ شيء كان، وقيل الخمِيل الأَسود من الثياب، ومنه حديث أُم سلمة (أَدخلني معه في الخَمِيلة). وفي حديث فَضالة أَنه مَرَّ ومعه جارية على خَمْلة بين أَشجار فأَصاب منها. ونقول عَرَضاً إن تحويلاً دلالياً مفهومياً مماثلاً يقع في معنى الفعل (خَمَلَ: الخميلة التي مرةً قماش القطيفة ومرة كلُّ مَوضع كَثُرَ فيه الشجرُ) كما ترى هنا.
قد لا يرى بعضهم وجهاً لمقاربة الجهاز والتجهيز بفرْج المرأة. يمكننا الافتراض أن الفرْج قد اعتبر جزءاً من جهاز العروس (وهو كلُّ ما تحتاجه وزوجها من أَوانٍ وفراشٍ وأَقمشةٍ، ومثله جهاز المسافر)، فسُمّي جهازاً أيضاً، لأن (جَهاز الراحلة) هو حملها الذي عليها. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن هذا التحويل من طبيعة مفهومية تَعتبر عضو المرأة الجنسيّ من (الحاجيات) الضرورية التي تكتمل بها أنوثتها أو تؤثث بها جنسانيتها، أو على حد تعبير اللسان (ماتحتاج إليه). إنه والحالة هذه سلعة بالمعنى القديم لمفهوم السلعة: ما تقع المُتاجَرة به.
وأما متاع المرأة (فرْجها)، فهو الجهاز كذلك. لأن المَتاعُ من أَمْتِعةِ البيت ما يَسْتَمْتِعُ به الإِنسان في حَوائِجه، وكذلك كل شيء، قال (والدنيا متاع الغرور)، يقول إنما العيش متاع أَيام ثم يزول أَي بقاء أَيام. والمتاعُ السَّلْعةُ [أي الجهاز]. والمتاع أَيضاً المنفعة وما تمتَّعتَ به. والمتاعُ كل ما يُنْتفعُ به من عُروضِ الدنيا قليلها وكثيرها. ولعل العضو الجنسيّ بصفته متاعاً (وهو يقال للرجل أيضاً) هو مما يُنتفع به، لذوّياً وجنسياً، وهو على الأقل موصول بالمتعة والاستمتاع أكثر من الجهاز. مفهوم المتعة الموصولة بالمتاع استنتاج يمكن الموافقة عليه.
لن تجد في لسان العرب مفردة الجَهَاز بمعنى الأَداة التي تؤدِّي عملاً معيّناً، أو المنظومة والنسق système مثل الجهاز العَصَبيّ وجهاز الدِّعاية وجهاز التَّحكُّم، وهنا تحويل مفهومي متأخّر، نحسبه جذرياً.
لكن التحويل اللسانيّ الأعمق حادث في الفارق بين (جَهَزَ) و(أجْهَز)، والأخير يعني أسرع في قتله وتمّم عليه: وجَهَزَ على الجريح وأجْهَز: أثبت قتله. ثم في اسم الفاعل (جاهز) أي متأهب لفعل ما. واشتقاق هذا الاسم منطقيّ كونه تعبيراً عن امتلاك الضروريّ من الحوائج اللازمة للإقدام على الفعل.
بعض التحوّلات امتداد للأصل، وبعضها تبدو ظاهرياً مقطوعة الصلة بالأصل. ما هو امتداد يخضع للتداول الاجتماعيّ للغة، بل اليوميّ، الذي يُوصِلُ المعاني إلى تخوم شعرية، وفق معايير سوسيولوجية أي ليست اعتباطية. فالجهاز بصفته عضوا جنسياً، قد يكون، بل أنه كان في لحظة من اللحظات تعبيراً استعارياً مقبولاً، مضموماً إلى مجموعة معايير تتعلق بوضعية المرأة الجنسية. وهذا قد ينطبق على (الإجهاز) على الجريح بصفته استكمالاً لما يَحتاج إليه موته، أو مستلزمات قتله. وإذا صحّ ذلك، فما أشدّ قساوة ورعب استعارة الإجهاز هذه.