عدوية الهلالي
قبل أيام ، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي واقعة (دك) منزل الجاني الذي قام بقتل عائلة كاملة في منطقة الطالبية والذي يستحق الاعدام وفق القانون ،و(دك) المنازل هو مصطلح عشائري يعني تطويق منزل من يقترف جرماً بحق أحد أفراد عشيرة ما من قبل أبناء تلك العشيرة ثم اطلاق الرصاص عليه بكثافة ولايهم ان كان المنزل خالياً أم يضم أشخاصاً لاعلاقة لهم بالجريمة وهو ماحدث في الطالبية تحديداً اذ أدى (دك) منزل الجاني الى قتل طفلين وأمراة حسبما ورد من تعليقات على الخبر ..
ولمن لايعرف هذا الطقس العشائري فهو قديم وكانت تتم ممارسته في القرى والأرياف لإرهاب المجرمين ومحاسبتهم ، ثم انتقل الى المدينة مع طقوس أخرى عديدة بعد أن عاد الانتماء العشائري ليحتل مكانة بارزة في المجتمع العراقي ، وصار يمكن للفرد أن يستمد قوته ليس من تواجد القانون في البلد بل من قوة عشيرته ومساندتها له ..فمنذ سنوات ، ونحن نعبر عن ارائنا بالسلاح بعد أن صار في متناول يد الجميع ..فنحن نطلق الرصاص حين نفقد عزيزاً ونطلقه أيضاً حين نحقق انتصاراً رياضياً ، ويمكن أن تحمله عشيرتان لتخوضا به معركة بسبب خلافات عائلية أو سوء تفاهم فالقانون في البلد حالياً لايعبأ بتحوّل المجتمع الى غابة عشائرية بل يختبئ تحت عباءة المسؤولين وكلٌ يفصّله حسب مقاساته فيمرر عبره صفقاته المشبوهة ويصطاد به المناصب ويتمسك بها وكأنها خلقت ليحتكرها فرد أو كتلة أو طائفة ..
حين خرجت اليابان من فاجعة هيروشيما وناكازاكي لم تستسلم للفوضى أو تتحين الفرص للانتقام ممن جعلها ساحة لتجربة السلاح النووي بل استغلت نزع السلاح عنها لتلتفت الى امكانيات شعبها الفكرية والعلمية ، وخلال فترة تعتبر قياسية بالنسبة لتطور الشعوب ، تحوّلت اليابان الى اهم دولة في عالم التطور العلمي والتكنولوجي فضلا عن تمسكها بالقيم الحضارية ونبذها لكل مايعيق تقدمها من عادات وتقاليد بالية ..في مايخصنا ، اعتدنا أن تكون بلادنا ساحة لتجربة كل أنواع الاسلحة فهي تقفز من حرب الى أخرى ومن صدام مسلح الى آخر لدرجة أن من ينادي بالديمقراطية هو ذاته الذي يقمع المظاهرات بقوة السلاح ، ومن يدعو الى الإصلاح هو ذاته الذي يتجاهل تحوّل البلد الى معسكر والشعب الى جيش مسلح إنْ لم يكن بالبنادق فبالافكار الطائفية والقبلية والهدامة التي أعادت المجتمع العراقي الى عصر القوة ..وبقوة ...
نحن مجتمع يحلم بالديمقراطية لكننا لانفهم منها أكثر من مشاركتنا في انتخابات ( مهلهلة ) ومدانة أبداً بالتزوير ، فنحن نمارس الديمقراطية في السياسة فقط وبطريقة آلية بينما ينبغي علينا أن نعيشها فكراً وسلوكاً ..وقد تكون أولى الخطوات نحو تحقيق ذلك هي اعتبار السلاح وسيلة للدفاع عن البلد ضد أعدائه فقط وليس وسيلة لقتل الوعي والفكر والحضارة..