بين ردود الفعل المُعارضة والمُناهضة لقرار الحكومة القاضي بإلغاء الحصة التموينية (العينية) كان أفضل وأدقّ وصف للقرار هو الذي جاء على لسان سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي حميد مجيد موسى الذي قال إن القرار "يشكل هزيمة فعلية أمام الفساد والمفسدين".
القرار هو كذلك بالفعل، بكل معنى الكلمة، مثلما هو عنوان صارخ آخر لفشل الحكومة، بل فشل النظام السياسي القائم برمته، فبعد عشر سنوات من سقوط نظام صدام تضاعفت خلالها عائدات النفط أكثر من عشر مرات فشل نظامنا الحالي في برنامج نجح في نظام صدام في أسوأ أوضاعه في ظل الحصار الدولي القاسي.. فشل نظامنا في تقديم حصة تموينية تساوي نصف كمّيتها ونوعيتها في عهد صدام، والسبب يكمن في الفساد الذي يعصف بأركان دولتنا عرضاً وطولاً من أعلى مؤسسة فيها إلى أدنى دائرة، وهذا بدوره مرتبط بنظام المحاصصة المعتمد في توزيع مناصب الدولة ووظائفها.
مسؤولو الحكومة برروا القرار بتخليص نظام الحصة التموينية من الفساد. هؤلاء لم يسألوا أنفسهم لماذا، وهم الذين يمسكون بناصية السلطة وببيت المال، يعجزون عن القضاء على الفساد في هذا النظام وفي الدولة كلها؟ ولم يسألوا أنفسهم أيضاً: أليس من العدل والإنصاف والأخلاق والواجب أن يعلن هؤلاء المسؤولون استقالتهم من وظائفهم ما داموا غير قادرين على أداء مهمتهم في مكافحة الفساد؟
إذا أخذنا بمنطق مسؤولي الحكومة فانه يتعين أن تتوقف وزارة الكهرباء عن تجهيز الناس بالكهرباء وترك المهمة لأصحاب المولدات الأهلية ودفع مبالغ مالية للمواطنين بدلا من ذلك من أجل قطع دابر الفساد المالي والإداري في هذه الوزارة التي تُعدّ واحدة من أكبر الوزارات الفاسدة في دولتنا.
وإن أخذنا بمنطق مسؤولي الحكومة المتحمسين لقرار إلغاء الحصة التموينية فيتعين على وزارة الصحة إلغاء تقديم الخدمات الصحية وعلى وزارة الزراعة إلغاء تقديم المساعدات للفلاحين والزرّاع وعلى وزارة الإسكان والتعمير إلغاء تقديم خدمات الإسكان والتعمير ودفع مبالغ مالية للمواطنين عوضاً عن ذلك، وعلى سائر الوزارات أن تغلق أبوابها وتدفع مبالغ نقدية للمواطنين عوضاً عن خدماتها، فما من وزارة أو مؤسسة أو دائرة أو هيئة في دولتنا نظيفة من الفساد؟
بصراحة تامة إننا نشم رائحة فساد قوية في قرار الحكومة، ففي العام الماضي تصدّر مطلب زيادة كمية الحصة التموينية وتحسين نوعيتها الشعارات المرفوعة في التظاهرات الشعبية السلمية التي قمعتها الحكومة بوحشية منفلتة، وقد وعد رئيس الوزراء علناً بتحقيق هذا المطلب وسواه، والقرار الأخير لمجلس الوزراء، الذي يمثل انقلاباً شاملاً على وعد رئيس الوزراء، لابد أن يعكس إذعاناً من الحكومة وكبار النافذين فيها لضغوط التجار والوسطاء والموظفين الفاسدين الذين يسعون لتوسيع دائرة نهبهم للمال العام والخاص على السواء.
الآن وفي ظل الرفض الشعبي والنخبوي العارم للقرار فأن على الحكومة ليس فقط التراجع عن قرارها وإنما أيضاً لإصلاح هذا النظام إصلاحاً جذرياً بما يؤمن إنقاذه من الفساد وتحسين نوعية السلة التموينية وزيادة كميتها لكي تكون جديرة بأن يأكلها البشر، والعراقيون بشر إذا لم يكن مسؤولو الحكومة يعرفون ذلك!
قرار الهزيمة
[post-views]
نشر في: 9 نوفمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 1
الاكاديمى
السلام عليكم بالصدفه حاولت ان اكتب وجائنى الرد بان ما ساكتبه سيعرض على المحرر للموافقه على النشر او لا وهذا سلوك مستغرب من الصحيفه التى تدعى وتدافع عن النهج الديمقراطى فلو اختلفنا شويه معكم لن تنشرون ولماذا هذا التشدد بالرد على مقال قد نختلف هنا او هناك م