علاء المفرجي
يأتي فيلم (ستيفان زفايغ.. وداعا لاوربا)، واوربا تتقاذفها النزعات الشعبوية والقومية التي كانت قد وسمت النصف الاول من القرن الماضي، تمثل في صعود اليمين في غير دولة اوربية، اضافة الى خروج بريطانيا من الاتحاد، فمشروع الاتحاد الذي انتشلها بعد خمسين عاما من ذلك يكاد يكون مهددا. وظهور ما يسمى (البريكست) وهو إحتجاج ثلاثي ستكون له عواقب وخيمة على اوربا.
فإن مايحدث اليوم هو عكس ما حدث قبل 70 عاماً عندما غادر الملايين من الناس القارة الاوربية. فأوروبا اليوم تقدم الأمل للكثيرين، هؤلاء الذين يريدون ان يكونوا على الجانب الأيمن من البحر الأبيض، فيما تكوّن المانيا صورة مناقضة لصورتها أيام الحكم النازي.
من هذه الزاوية تقدم المخرجة الالمانية ماريا شريدر فيلمها هذا عن جانب من حياة الكاتب الالماني ستيفان زفايغ يتعلق بالسنوات الاخيرة له في المنفى قبل انتحاره. ويعد زفايغ من أهم كتّاب أوروبا في بدايات القرن المنصرم وكتب مؤلفات تتناول حياة المشاهير من الأدباء أمثال تولستوي، وديستوفسكي وبلزاك ورومان رولان بحيادية كاشفا حقيقتها كما هي دون رتوش وأماط اللثام عن حقائق مجهولة في حياة هؤلاء المشاهير الذين ذاع صيتهم.
وستيفان زفايغ من بين مع عدد من المثقفين والفنانين الألمان مثل توماس مان وأينشتاين واخرين اضطر إلى مغادرة بلده بسبب الإرهاب الفاشي، وحرق مؤلفاتهم في الشوارع، لينتقل بين دول منها أميركا وبريطانيا ليستقر في البرازيل مع زوجته لوتا التي تصغره بثلاثين عاما، وكتب في البرازيل اخر كتبه، روايته القصيرة (لاعب الشطرنج)، و (عالم الأمس) التي كانت اشبه بسيرته الذاتية وأقرب الى مرثية لقارته العجوز أوروبا التي كانت تئن وتحتضر تحت وطأة حرب كونية طاحنة..
يتحدث الفيلم عن المأساة التي شهدتها اوربا نهاية ثلاثينيات القرن المنصرم من خلال شخصية ستيفان زفايغ، الذي كان مؤمنا بأوروبا كحضارة مقبلة على التقدم، لكنها بدأت تتهاوى بفعل السياستين الفاشية والنازية . لكنه لم يكن يخفي شعوره بأن أوربا ستكون في المستقبل واحدة بلا حدود ولا جوازات.
يحكي الفيلم سيرة زفايج بعد خروجه من أوروبا، فنتعرف على هذه الحياة في مشهد مبكر من الفيلم أثناء انعقاد مؤتمر للكتاب في الأرجنتين، والمؤتمر الصحفي الذي يقيمه وإصراره على عدم إصدار موقف يخص الوضع في المانيا حيث يقول: "أن تكون مثقفًا معناها أن تقف في صف العدالة، لكني لا أستطيع أن أكتب بدافع من الكراهية فقط، وبغرض الهجوم على جماعة ما".
اكثر من سبب يجعلنا نشير ان الفيلم تعاطى بحيادية وتسجيلية مع تفاصيل حياة زفايغ، خاصة في سنواته الاخيرة، من غير إستقصاء او إستنتاج خاصة ما يتعلق بحادثة إنتحاره التي تعتبر الحدث الابرز في حياة زفايغ، بل هو الحدث الذي ممكن ان يبّنى عليه الكثير من مفاصل حياته، بطريقته التي جرى فيها وما زال غامضا ولاتوجد له مقدمات واسباب معلنه.. حتى اننا بالفيلم نتفاجأ به.. فالمشهد الذي يسبقه يصور زفايغ وهو في غاية المرح مع الهدية التي قدمها له اصدقاؤه.. ثم تنتقل المخرج الى مشهد الانتحار الذي يعد واحدا من أجمل مشاهد الفيلم، حيث لا نشاهد عملية الانتحار ولا الجثتين، سوى مشاهد الزوار وهم يتحدثون عن الحادث .. وحتى جثتيهما هو وزوجته، نلمحهما من خلال زجاج الخزانة التي تتحرك في المشهد حيث تظهرهما نائمين محتضنان بعضهما، كل ذلك يتم من خلال كاميرا مثبته تنقل الحدث والحوار، ويمتد لدقائق يختتم بها الفيلم.
فيما عدا ذلك سارت احداث الفيلم بشكل اعتيادي وإن إستطعنا من خلالها التعرف على شخصية زفايغ كما اداها الممثل النمساوي (جوزيف هادر). فالفيلم لم يتميز بشيء عن الفيلم الوثائقي الذي عرض بذكرى وفاته بعنوان (ستيفان زفايغ: حكاية اوربية).