TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كردستانيات: الأنفال سيئة الصيت

كردستانيات: الأنفال سيئة الصيت

نشر في: 21 إبريل, 2010: 06:11 م

حازم مبيضين وحدهم أكراد العراق أحيوا ذكرى مجزرة الانفال البغيضة, التي اعتبرتها المحكمة الجنائية العليا العراقية جريمة إبادة جماعية, وفعلاً جرمياً ضد الانسانية, وفق معايير القانون الدولي المعاصر, لكن معظم النخب السياسية العربية التي تطالب الأكراد صبحاً ومساء بأن يكونوا عنوان التآلف اليوم,
تجاهلت ذكرى الجريمة التي امتدت على كل رقعة من كردستان العراق, حين أغلقت عليها المنافذ, وعزلت عن العالم, وتلظى بنيران البعث حوالي 200 ألف انسان بريء, ودمرت خلالها (4500) قرية, وبحيث أصبحت رقعة أشباح و عنوان جهنم الارض. وإذا كنا نجد بعض العذر للأنظمة العربية وهي تسكت آنذاك, إما طمعا أو خوفاً, رغم علمها بأن نظام صدام كان يستهدف حتى الاطفال, وصولاً إلى جريمة استخدام الاسلحة الكيماوية في حلبجه, ما دعا معظم الدول الأوروبية والأجنبية للتنديد بتلك الجرائم, وتعريفها كجرائم إبادة بشرية، فإن المؤسف أن يتواصل هذا الصمت في وقت تكتشف فيه يومياً مآسٍ جديدة ناجمة عن حملة الأنفال سيئة الصيت.وحدهم الأكراد ذرفوا الدمع وهم يعيدون دفن رفات أكثر من مئة طفل راحوا ضحية الجوع والمرض في أنفال صدام, حين احتجزوا مع أسرهم عام 1988 في قريتهم, ووحدهم مقاتلو البشمركة حملوا النعوش الملفوفة بالعلم الكردي, ووحدها موسيقى الاكراد عزفت اللحن الجنائزي أمام نحو 4000 شخص, ووحدهن أمهات الضحايا ونساء كردستان ذرفن الدموع, بينما تكحلت عيون نساء الأمة انتظاراً لحفل سمر بهيج, وبما يثبت خطأ انتظار الاكراد للحظة إنصاف تبعث فيهم الامل بأن تعيد بعض النخب العربية تعبيد جسور التواصل ومنع الطلاق الكلي بين العرب و الاكراد في العراق, وإذ يتستر البعض وراء مقولة أن دمع الرجال غالٍ, فان الاحياء من الاكراد استرخصوه وهم يودعون الشهداء, ولم يخجلوا وهم يذرفونه على نعوشهم الطاهره, وتركوا لنا أن نحبسه في مآقينا, بانتظار أن نضحك حتى البكاء. وحدهم أكراد العراق وقفوا بصلابة في وجه الفاجعة وهم يضعون حجر الأساس لجامعة جديدة, ويقيمون عرساً جماعياً لـمائة  شاب وشابة من ذوي ضحايا المجزرة ، كرمز لتواصل الحياة, ويتجاوزون محنتهم وهم يواجهون مهمة تاريخية، بعد الانتخابات النيابية, وبما يفرض عليهم توحيد إرادتهم لدعم وحماية حقوقهم ومصالحهم، وترسيخ الضمانات الدستورية حتى لايفكر أي نظام في المستقبل بارتكاب مثل هذه الجرائم بحقهم, وبما يحتم عليهم ترتيب بيتهم الداخلي للحفاظ على المكتسبات التي حصلوا عليها بتضحياتهم الجسام, وعبروا إليها فوق أنهار من الدم الزكي الذي أراقه أبطال البيشمركه على سفوح جبال بلادهم وفي كل شبر من سهولها.وحدهم الاكراد وقفوا يوم الرابع عشر من نيسان مستذكرين جرائم نظام صدام بحقهم, ويستذكرون كيف غيب النظام البعثي عشرات الآلاف من الأطفال والشباب والشيوخ والنساء، ووحدهم أعلنوا الحداد العام هذا اليوم ونكسوا الأعلام, وارتدت حرائر كردستان السواد وأوقدوا 182 شمعة ترمز إلى الضحايا المائة والثمانين ألفاً من النساء والاطفال والشيوخ الذين أودى بحياتهم نظام صدام, ووحدها حلبجه وقفت شاهدة وشهيدة, بينما مدن عالمنا الممتد من الماء إلى الماء تلهو بفائض غيها وغوايتها, وربما انتصبت في شوارعها تماثيل صلاح الدين الايوبي, دون أي إحساس بالمسؤولية عما حل بأحفاده, ووحده قضاء جمجمال كان يودع جثامين جريمة الانفال سيئة الصيت بعد أن تم العثور عليهم في مقبرة جماعية. حين دفن الاكراد جثث أطفالهم من ضحايا الأنفال, كانوا يتوقعون – بحسن نية – وقفة تضامن عربية مع مأساتهم, إن لم يكن من الحكومات فمن الشعوب, أو على أقل تقدير من القوى الديمقراطية التي تعرف حجم دكتاتورية صدام, لكن المؤسف أن الحدث قد مر وبقي الأكراد وحدهم, عفواً ظلوا مع حزنهم وألمهم وعتبهم المشروع. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram