adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
من الواضح أنّ 90 في المئة أو أكثر من الحراك السياسي المتواصل منذ انتهاء الانتخابات البرلمانية في 12 أيّار الماضي، يدور حول مَنْ يتحالف مع مَنْ لتشكيل الكتلة الأكبر التي سيُعهد إليها بتشكيل الحكومة الجديدة ومَنْ يتولى هذا المنصب أو ذاك، وبخاصة مناصب الرئاسات الثلاث.
هذا يعكس من جديد الخواء الذي تعيشه الطبقة السياسية المتنفّذة، الخواء الفكري والخواء السياسي والخواء في الوطنية. لولا هذا الخواء ما كانت القوى السياسية ستحتاج الى كل هذا الوقت لتشكّل تحالفاتها ولتتّفق على المرشحين للمناصب الرئاسية. القوى السياسية الناضجة فكراً وخبرةً تتقدّم الى بعضها البعض بالبرامج التي تريد العمل على تحقيقها، وعلى هذا الأساس تلتقي في ما بينها أو تفترق.
كلّ ما نُشر حتى الآن من تصريحات لممثلي القوى السياسية المتنافسة ومن تقارير إعلامية يتركز على الاتفاقات والاختلافات في ما بين هذه القوى على حصة كل منها من مناصب الدولة العليا، ولم تتّفق حتى اليوم أي مجموعة قوى على تشكيل تحالف عابر للطائفية والقومية على أساس برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي محدّد تتعهد بتنفيذه إذا ما عُهد إليها بتشكيل الحكومة أو بشغل المناصب الرئاسية.
القوى المتنفّذة جميعاً لم تزل تلفّ وتدور في إطار الحلقة المفرغة السابقة التي قادت البلاد الى الخراب الذي ثارت القوى الحيّة في المجتمع من أجل وضع حدّ له باجتثاث الفساد الإداري والمالي على نحو خاص والإقلاع عن نظام المحاصصة المُدمّر. الآن القوى الشيعية مختلفة على مرشّحها لرئاسة الحكومة، والقوى السنيّة مختلفة على مرشّحها لرئاسة مجلس النواب والقوى الكردية مختلفة على مرشّحها لرئاسة الجمهورية، ولم نجد في المقابل من يختلف أو يتفق على البرامج التي لم يفكّر بها أحد بدليل إنها ليست مطروحة!
هذا مؤشر على أن هذه القوى راغبة بإعادة إنتاج العملية السياسية الفاشلة شكلاً ومضموناً والإبقاء على نظام المحاصصة، ما يعني أن كل المشاكل والأزمات والكوارث التي شهدناها على مدى الخمس عشرة سنة الماضية مرشّحة للاستمرار والتفاقم.
حتى الآن لم نلمس أي تغيير حقيقي في تفكير هذه القوى وزعاماتها، كما لو أنّ كارثة داعش لم تكن، وكما لو أنّ نظام الخدمات العامة غير منهار، وكما لو أنّ مؤشرات الفقر والبطالة لا تنذر بالخطر، وكما لو أنّ الاقتصاد الوطني (غير النفطي) ليس في حال الموات، وكما لو أنّ الحركات الاحتجاجية الشعبية المطالبة بإلحاح بالإصلاح لم تحصل ولم تكن أشدّ وأوسع نطاقاً من سابقاتها!
سياسة القوى المتنفّذة هذه لن تكون عواقبها وخيمة على الناس وحدهم وإنما عليها هي أيضاً، فالناس لم تعد لديهم القدرة على التحمّل والصبر وضبط النفس أكثر.