نجم والي
لا يمر يوم إلا ويُلقى فيه القبض على لاجئ أو مهاجر يحاول عبور حدود أوروبا بصورة غير شرعية، أحياءً أو أمواتاً. ويظل معظم هؤلاء المهاجرين جزءاً من ضحايا لتجارة عالمية تستغل الظروف القاهرة، ظروف الحاجة.
الصينيون يأتون عن طريق الشيشان، الأوكرانيون عن طريق بولندا، الأفريقيون يحاولون الوصول إلى إيطاليا عبر البحر الأبيض المتوسط، الباكستانيون والأكراد عبر تركيا واليونان. هكذا يختلف الأمر، فحسب البلاد التي يأتي منها المهاجر، يختار المهاجرون الذين يريدون الوصول للأرض الموعودة "أوروبا الغربية"، طرقاً مختلفة. وعادة يُشحن هؤلاء حسب الثمن الذي يدفعونه، من قبل عصابات خبيرة بتهريب البشر، ويُلقى بهم في مناطق معينة. من نزل "بنسيون" قذر في بلغاريا إلى آخر مثله في رومانيا، من شاحنة لنقل البضائع أو الحيوانات في مقدونيا، إلى شاحنة نقل أخرى في البوسنة، حتى ضواحي مدينة كبيرة في بلاد التشيك. ومن هناك من السهولة الوصول لألمانيا القريبة جداً من الحدود. حينها يودع المهربون زبائنهم، بعد تعيين الطريق الذي عليهم أن يقصدونه فقط، يقولون لهم: "حتى تلك الغابة الصغيرة، ثم الانحراف يساراً، هناك عند تلك النقطة، يرى المرء نقطة الحدود".
من النادر أن يعرض المهربون أنفسهم إلى أي خطر، فهم في النهاية المهاجرون غير الشرعيين، الذين يواجهون مخاطر كبيرة. غالباً، لا يدفعون مقابل رحلاتهم مبالغ كبيرة بالدولار، إنما يدفعون حياتهم أيضاً. ففي ألمانيا مثلاً، يصادف دائماً رجال الحدود الألمان، كائنات مقرفصة مكدسة على بعضها في الشاحنات، لا يحصلون على ما يكفي من الهواء، يتنفسون بالكاد. كائنات تكاد تختنق، تصارع الموت، لكنها لا تطلب المساعدة، لأنهم يخافون أن يكتشف رجال الشرطة وجودهم.
قبل ثلاث سنوات عُر على شاحنة صغيرة، في الحقيقة شاحنة لنقل اللحوم، تُركت إلى جانب الطريق الزراعي قريباً من الحدود الهنغارية النمساوية في إقليم بورغينلاند بالضبط. ثلاثة أيام كانت الشاحنة تنتظر لوحدها، وعندما شم! الناس في الجوار رائحة كريهة، شقت عنان السماء، جاءت الشرطة، فتحوا براد الشاحنة ليجدوا أكثر من سبعين جثة لمهاجرين حُشروا هناك، وماتوا مختنقين. أغلبهم كانوا سوريين وعراقيين وأفغان.
صحيح إن الشرطة ألقت القبض على السائق، وقُدم مع مهربين إثنين آخرين للمحكمة، لكن رغم ذلك لا يعني ذلك الكثير، لأن شخصاً مثل السائق وزميليه، يظلان مجرد عجلات صغيرة في ماكنة منظمات التهريب الكبيرة. الرجال الذين يختفون خلف ذلك، يجلسون في الحقيقة في مكان بعيد جداً عن الشرطة، وهم ليس بمتناول الشرطة الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هؤلاء يتعلمون بسهولة وبسرعة من كل فشل عملية تهريب، من كل إلقاء قبض على مهرب.
"إنهم يصبحون أكثر حكمة"، كما يعلق رجال الشرطة، الذين يواجهون المهربين دائماً، وعليهم التغلب على حيلهم الجديدة. مع كل خطأ جديد، مع كل اكتشاف لشبكة تهريب، مع كل إلقاء قبض، يطور المهربون أساليب وطرق جديدة. و إنهم من النادر أن يتعرضوا للمخاطرة. فرغم كل شيء، "إنها تجارة مربحة وسهلة بالنسبة لهم، وهم لا يريدون المخاطرة بفقدانها".
منذ أن بدأت شرطة الحدود الألمانية بالعمل مع زميلاتها من شرطة حدود الدول التي تحد ألمانيا من جهة الغرب، بولندا والتشيك، بدأ المهربون ينحرفون إلى طريق آخر، إلى منافذ أخرى، وفي كل مرة تبتعد الحدود أكثر إلى الحافات الجنوبية الشرقية من القارة، وخاصة بعد أن أصبحت الحدود الشرقية لألمانيا يصعب التسلل عن طريقها. بعد أن بدأت تظهر دائماً وبصورة مفاجئة من وسط الغابات طائرات الهليكوبتر، وكأنها تخرج من العدم، والتي تطير دون ضوء، وناظورات ليلية، تستطيع ملاحقة المهربين والمتسللين عند الحدود.
تتفق مصادر وزارة الداخلية الألمانية، على أن شبكات تهريب البشر تركز عملها اليوم عند الحافات الجنوبية للقارة. هكذا تضاعف عدد المتسللين عبر الحدود السلوفينية والنمساوية بشكل واضح. أما البحر الأبيض المتوسط فأصبح أكثر عرضة للاستخدام من الأوقات السابقة. في فصل الصيف، ومع بداية ارتفاع درجات الحرارة، يتحول المتوسط بمياهه الهادئة ودرجة حرارته المعتدلة إلى البوابة المائية التي أهداها الله للفقراء، القادمين من أفريقيا بصورة خاصة، لكي يصلوا إلى أراضي الجنة الموعودة، أوروبا، وحتى منتصف فصل الخريف، سوف لن يمر أي أسبوع، بل أحياناً، أي يوم، ولا نسمع نشرات الأخبار لا تتحدث عن غرق قارب يزدحم بالمهاجرين أو اكتشافه من قبل حرس خفر السواحل الأسبانية أو الإيطالية أو في السنوات الأخيرة، خفر سواحل الفرنسية أيضاً.
ولكن رغم ذلك، ما أن يفشل طريق معين، حتى يبدأ المهاجرون واللاجئون بالبحث عن "شركة سفر" أخرى. المهم الوصول إلى إحدى العواصم الأوروبية، حيث الأرض الموعودة!