TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: تظاهرات البصرة.. الوجه العراقي الجديد

قناطر: تظاهرات البصرة.. الوجه العراقي الجديد

نشر في: 11 سبتمبر, 2018: 12:59 م

 طالب عبد العزيز

لم تفرز أيُّ تظاهرة في العراق ما أفرزته تظاهرة الرابع من أيلول في البصرة، فقد كان الدم البصري، بحق أبلغ رسالة يوجهها الشعب العراقي الى حكومته منذ العام 2003 الى اليوم. الشباب البصري الذي اكتسح الشارع بدمه وبأذرعه القوية وعفويته المطلقة، قلب المعادلة تماماً، غيّر مسار العملية السياسية بالمطلق، فقد أبعد هيمنة ورمزية العمامة والعقال في تمثيل مطالب المتظاهرين، قائلاً بصوت واضح: أنتم لا تمثلوننا، نحن نمثل أنفسنا، لن نحمل السلاح ضد أحد، لكننا، وبصدورنا العارية نعمل ضدكم جميعاً.
النقلة الأخرى التي أفرزتها التظاهرات، خارج المشهد السياسي العراقي الوسخ هي تفكيك مركز السلطة في بغداد لصالح المدن الأخرى، إذ لم تعد بغداد ممسكة بزمام الأمور الى الاخير، وهاي هي الحكومة تخصص جلسة كاملة لمناقشة أوضاع البصرة، وتجبر على تشكيل لجان وإيفاد مسؤولين كبار للوقوف على مشكلة الماء المالح ومطالب المتظاهرين، وإيجاد الحلول مع وجود المسؤول البصري طرفاً فاعلاً وقوياً، وما حدث بين المحافظ أسعد العيداني ورئيس الوزراء في جلسة البرلمان ألا المسمار الاخير في نعش حزب الدعوة، الذي سيخرج من الحكومة الى الأبد.
لم يقتصر التغيير على الشارع السياسي إنما تجاوزه الى المسار الاجتماعي، فقد فوجئنا بوجود المرأة كمتظاهرة، متصدية وقوية لما يحدث، ولو أتيحت الفرص كاملة للنساء لملأن الشاعر بهتافهن، فهنَّ الأكثر تضرراً جراء الاداء السيئ للحكومة، ولم تفلح كل محاولات التسقيط التي مارستها القوى والأحزاب الإسلامية في منعها عن المشاركة، فخرجت، تطوف صارخة وتهتف وتندد وتضمد جراح المتظاهرين وتنظم وفي الأخير حملت الأكياس، تجمع قناني الماء الفارغة وتعيد الى المدينة جمالها وبهاءها الذي كانت عليه، ذات يوم.
أسمع وأشاهد، بشكل يومي، أغاني ولوحات وأعمال فنية وقصائد وبوسترات، رسمها وغناها بصريون وغير بصريين، تحاكي ما حدث في البصرة مؤخراً، هناك وعي جديد وحراك فني ومد ثقافي أنتجته التظاهرات، راح يتجدد يومياً، نازعاً ستار الخوف، خارجاً الى فضاء الحرية. أغاني تتحدى وترفض وقصائد تصدح بحب الحياة والتطلع الى ما هو أبعد من التضييق والتشدد، أصوات شباب وشابات لم نسمع بها من قبل، تفجرت فجأة مع حراك الجماهير وتطلعها الجديد. رسم النحات خالد المبارك سفينة البحار والانثربولوجي النرويجي ثيودور هيردال، التي صنعها من البردي في أهوار البصرة وأبحرت مطلع السبعينيات في الخليج، في الحكاية المعروفة آنذاك، رسمها المبارك وحمل فيها كل معالم وتراث المدينة(ركن مسجد البصرة وباص الخشب ومرقد الحسن البصري وجامع المقام وعمال المسطر في أم البروم ووو) لكنه، نسي أن يحمل إحدى كنائس البصرة فيها، فذكره صديقنا الشاعرالبصري، المسيحي، وليد هرمز المقيم في أوروبا.
وأخيراً، وقف أحد الشيوخ أمام رئيس الوزراء محتجاً ورافضاً ما قامت به السلطات الأمنية بحق المتظاهرين، قائلاً: "أنا لا أجلس في مجلس فيه غريمي، أنا مغتاض، عندي مقتولين، شلون أكعد هنا" مهيناً بكلماته الشيوخ الآخرين، الذين لبوا دعوة العبادي وظلوا جالسين معه، رافضاً مجالستهم له، وهذه سابقة لم تحدث من قبل، فقد كان شيوخ العشائر وعبر التاريخ العراقي الحديث قرقوزات يحركها الحاكم بدنانيره مرة وبتهديده ثانية وهكذا، أفرزت التظاهرات لنا جيلاً جديداً من الشيوخ أيضاً، يرفض هيمنة الحاكم ويطالب بحقوق أبنائه في التظاهر ضده.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram