TOP

جريدة المدى > عام > التفرغ الأدبي.. هل نمتلك ثقافة استكتاب الأدباء أم لا يوجد ما يُثري من النتاج الثقافي

التفرغ الأدبي.. هل نمتلك ثقافة استكتاب الأدباء أم لا يوجد ما يُثري من النتاج الثقافي

نشر في: 15 سبتمبر, 2018: 06:44 م

زينب المشاط

في أوروبا، وأتوّقع في بعض الدول العربية التي تتصدر المشهد الادبي يُمنح الكاتب أهتماماً كبيراً من قبل دور النشر، التي تعمل على طبع وكتابة كُتبه، أو تلك الدور التي تُراقب المشهد الأدبي محاولة رصد أهم الأسماء للتعامل معها وتوقيع عقود أدبية، وقد ينظر أصحاب دور النشر بشيء من البعد الثقافي على مدى بعيد جداً فيمنحون الكاتب البيئة التي يحتاجها لينقل إبداعه على ورق ويخلق أدباً عظيماً، يعود بالنهاية على صاحب دار النشر تلك بأموال طائلة وشهرة كبيرة في حال لاقى رضا القراء والنقاد أو رُشح لجوائز ونالها...

ولأن الواقع الاقتصادي لأي فرد هو الذي يتحكم ببيئته، فهو ذاته يتحكم بمدى إبداع الكاتب، فالكاتب يحتاج الى تفرغ تام واسترخاء للغوص في بحر أدبه ما يجعله يُخرج بأثمن مكنونات هذا البحر، فإذا عانى الكاتب اقتصادياً وانشغل بتوفير لقمة العيش لن يجد الوقت الكافي للكتابة ومن هنا سنتحدث عن الكاتب العراقي....
في ظل ظروف صعبة يعانيها الأدباء العراقيون والكتاب نجد أن الغالبية منهم ينقادون خلف توفير عيش ملائم لهم ولعوائلهم، وهذا قد يكون سبب في انشغالهم عن الكتابة أو تحديد نتاجهم الأدبي، ورغم أن لدينا أسماء مهمة أدبياً حصدت العديد من الجوائز إلا أننا نجد أن دور النشر العراقية لاتزال تتعامل بشيء من التجارة تجاه إصدار الكتب ومنح الكاتب صفة الارتقاء وتصدر المشهد من خلال ما تصدره له، فلم نجد حتى اليوم أي دار نشر عراقية عملت على استكتاب أحد الأدباء والكتاب العراقيين ، فهل تخشى هذه الدور من النتاجات الادبية لهؤلاء الكتاب إذ إنها تعتقد إنها نتاجات غير رصينة بما يكفي لتمنحها ثقة التفرغ للكتابة وتوفر لها في المقابل مخصصات مالية حتى تنتهي من كتابة مشروع ادبي مهم قد ينال اهتماماً عالمياً ويعود بالتالي على الكاتب ودار النشر بأموال طائلة؟ أم إنه إهمال وتقصير تعانيه دور النشر ما يجعلها بعيدة عن اهتمامها بخلق أدب عظيم فهي تتعامل بصفة تجارية لا أكثر مع الكتاب؟ أم أن ليس لنا كاتب يستحق منح هذه الثقة ...
"ثقافية المدى" اعتادت أن تثير موضوعات مهمة على الساحة الادبية والثقافية وقد يكون هذا الموضوع من أهمها، الكاتب والروائي خضير فليح الزيدي وصف إن العلاقة بين دور النشر والكتاب تتصف بالفوضى والشك ويقول " من الجدير بالذكر أننا في العالم العربي ليست لنا تقاليد احترافية في صناعة الكتاب والطباعة والنشر والتوزيع. وعلى الأرجح إن أغلب الناشرين العرب يأخذون التقاليد من دور النشر الغربية أو ما ينفعهم منها ويخفون بعضها الآخر عن المؤلفين. طبعا لا يمكن في حال من الأحوال مقارنة صناعة الكتاب ومراحله وتسويقه في الحضارة الغربية مع فوضى العالم العربي الذي هو بالأساس عالم متخلف ويستهلك لمنتجات وأفكار وحضارة العالم الغربي. وهذا ينعكس على صناعة وتسويق الكتاب العربي وسوق الكتاب وصناعته."
الشخصية الأوربية تميل للتأمل والقراءة بشكل يفوق إلى حد كبير مجتمعاتنا التي ما زالت تعتبر القراءة نوعاً من البطر. في عالم الغرب يفكرون في السنين الأخيرة أن يفردون مساحات واسعة حتى لمساحة الحمّام داخل المنزل ليكون ملائما لقضاء الحاجة والقراءة معاً. وكذلك القطارات تفرد عربات للقراءة كمكتبات متحركة والطائرات والمطارات. لذلك يجد الزيدي " من الطبيعي أن تنشأ مجتمعات تحب القراءة وتبحث عن الكتاب وتسويق الأفكار على مختلف مستوياتها وتنتعش دور النشر وترضخ لإملاءات المؤلف وحقوقه."
تنتعش دور النشر ويصل معدل الطبعة الواحدة من الكتاب ما يقارب العشرة الآف أو العشرين الفا بالمقابل الف نسخة من كل كتاب في العالم العربي. مما ينعكس على حتما على حقوق مجزية للمؤلف وما بالك اذا تكررت طباعة الكتاب لمرات كثيرة. على سبيل المثال أن الروائي أمين معلوف وهو كاتب من أصول عربية ويكتب باللغة الفرنسية ما زال يعيش على مردودات روايته "ليون الأفريقي" التي وصلت إلى حد كبير من الطبعات ودار غاليمار تضع في حسابه كل شهر مبلغاً كبيراً من المال من حقوقه وحصة البيع. ويجد الزيدي إننا اذا ما عكسنا الامر عربياً سنجد " إن مصر وبعض الدور الاحترافية كدار الشروق المصرية أيضا تحترم كتاب الدار وتحتكرهم بنوع من الاحتكار الرحيم الذي يجد الكاتب / المؤلف نفسه محترماً وذا شأن في عالم الكتاب. بل وتخصص له التفرغ الكامل والاحتكار مقابل أعمال مستقبلية. وتلك تضع الكاتب في مرتبة الإحساس بالفخر لزيادة إبداعاته."
ويؤكد " القضية في العراق تكون مضحكة لأننا بصراحة حديثو العهد في عالم النشر ولا توجد أصلاً ثوابت واحتراف وتقاليد بين الكاتب والناشر، بل حتى المحاكم العراقية لم تفرد لوائح وفقرات ما يخص حقوق المؤلف ولكنها أفردت فقرات في القضاء العراقي للملكية الفكرية فقط."
كما أشار الزيدي الى أن "الكاتب العراقي مهما كان مبدعاً يبقى يعاني من دار النشر التي تضع حقوق التأليف والمؤلف نصب أعينها. إن وضع فقرة 10./. كحقوق من سعر الغلاف للكاتب هي جريمة بحق الكاتب المبدع لأن القضية تسوّف حتماً في النهاية عندما لا يحسب حساب المنافذ الإلكترونية التي تبيع الحقوق إلى دار النشر ولا حصة للكاتب منها لأنه لا يعرف ما بيع من كتابه، ولكن هناك أمل في دور النشر العربية الفتية التي بدأت في السنتين الأخيرتين الالتفات لهذه القضية لإنصاف الكاتب وإعادة الثقة بين المؤلف ودار النشر ولكنها مازالت علاقة متأرجحة".
دور النشر الرسمية تعاني من الإفلاس وهي تلزم المؤلف على شراء نسخ من مؤلفه وتحرمه من أية مكافأة وتبدو وكأنها متفضلة عليه بالنشر، هذا ما يجده القاص حسب الله يحيى ثم يشير الى دور النشر الخاصة قائلاً "تأخذ مبالغ طائلة من المؤلف لقاء نشر كتابه ولا عليها من جودته واهميته ..إزاء هذا الواقع المرير يعاني الكاتب العراقي من الإفلاس وتدني مستوى التأليف والترجمة ..ومن يملك المال يتصدر المشهد الثقافي ..ولا توجد دار رسمية لها أواصر ومعنية بتكليف كاتب أو مترجم فضلاً عن الرسائل والأطاريح الأكاديمية مهما بلغ مستواها"
وهذا ما دفع كتابنا لأن ينشروا في المجلات العربية والأجنبية ويتقاضون مبالغ جيدة ويكلف بعضهم بموضوعات محددة حسب الاختصاص ..الثقافة والتأليف تحديداً آخر ما تفكر به الدولة ..نحن نعيش في بلد طارد للثقافة والمثقفين ..هكذا هي إرادة الجهل والجهلاء.
بعض دور النشر تذكر أننا في العالم العربي لانمتلك ثقافة منح الكاتب تفرغ لإستكتابه وهذا ما ذكره إيهاب القيسي مدير دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع "ذاكراً لا اعتقد إننا في العالم العربي نمتلك مثل هذه الثقافة".
الوضع الاقتصادي السيئ ، والواقع الثقافي المتردي هو من أهم أسباب عدم منح دور النشر ثقتها الى أي كاتب فيقول القيسي "لا اعتقد أن هنالك كُتب تُثري ثقافياً الى درجة أن تمنحنا ثقة بكاتبها لمنحه تفرغاً تاماً للكتابة وتخصيص منح مالية له خلال فترة تفرغه فالواقع الثقافي يعاني من الكثير من الخلل وكذلك المثقفون إضافة الى أن الكتاب يعاني من القرصنة بعد انجازه ونشره وهذا بحد ذاته يقلل من مبيعات دور النشر فبالتأكيد لن تسترجع دار النشر الأموال التي صرفتها على الكاتب والكتاب بسبب ظاهرة القرصنة كما تحدثنا وهذا مثال بسيط وواحد من احدى المعوقات الكثيرة التي تقف بوجه الكتاب بعد انجازه."
دعم الكاتب هو بالدرجة مسؤولية الجهات الحكومية المعنية وثقافة الاستكتاب من قبل دور النشر العراقية والعربية هي تقليد غير متبع بسبب محاذير اهمها الجانب الاقتصادي وحين سألنا هادي عن اسباب عدم مبادرة دار الرافدين بخطوة كهذه قال " إنا في دار الرافدين نسلك أساليب أخرى لمنح الكاتب فرصة الكتابة كأن أطلب منهم ترجمة مادة ما أو كتابا ما او أطلب منهم الكتابة في موضوع ما وأتعامل مع أسماء مهمة ومميزة وبالطبع في الوقت الذي سأجد فيه كاتب كبير وعظيم واجد موضوع أدبي يستحق الاستكتاب لن أتهاون في إهماله وتركه وسأعمل على التعامل مع الكاتب لإنجاز مادة أدبية تستحق النشر."

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram