إياد الصالحي
وضعت التجربة المبكّرة للمدرب السلوفيني ستريشكو كاتانيتش الوضع الكروي العراقي على المحكّ الحقيقي بعدما ظلّت براقع التجارب السابقة ومن ضمنها عمل الداهية زيكو تخفي أدواراً سلبية لأشخاص داخل وخارج المهمة الوطنية هم أكثر ضرراً من نتائج المدربين الأجانب مع كرتنا وما واجهه حتى زملاؤهم الوطنيون الذين وقعوا فرائس التشكيك بالوطنية والكفاءة ليجدوا انفسهم ليسوا محل ثقة الشارع الرياضي وحذا حذوه اتحاد الكرة.
منذ أول تجربة لكاتانيتش في الكويت يوم 10 أيلول الجاري، بعد وصوله العراق بثمانية أيام فقط، خرج عشرات المحللين من مدربين وإعلاميين وحتى الجمهور للإعلام ومواقع التواصل ليحاصروا الرجل بانتقادات فنية ويبرّزوا أخطاءه وينبّشوا في رؤاه الفنية السابقة وسلوكياته مع لاعبي منتخبات لا نعرف أسرار توتره معهم أو علاقة لاعبينا بذلك ، نقد غريب يستند إلى ماضيه القريب، وكأننا نعاني من عقدة أصبحت مستديمة وهي عدم إنجاح عمل أي مدرب أجنبياً كان أم وطنياً طالما أن (ميديا الأسود) باتت فضاءً مفتوحاً بلا ضوابط لاكتساب الشهرة وصناعة محلّلين لا يمتلكون أدنى حدود القبول ثقافياً وعلمياً وسلوكياً ليسمحوا لأنفسهم الخوض في أمور فنية أكبر تعد من قدراتهم.
أن وجود المدرب السلوفيني خلال أسبوعين فقط لا يسعفه بكل تأكيد ليطلع على الحراك الكروي، ويعايش البيئة الفنية للأندية والمؤسسات، ويتلاحم فكرياً مع مدربين كبار خبروا شجون اللعبة، ويهضم فلسفة النقد الإعلامي الوطني المسؤول الذي يعد مرتكزاً قوياً ليستند إليه الرجل في مشواره الطويل الممتد حتى عام 2021، وبالتالي لابد من توفير غطاءً معنوياً يشعره أنه أختار الوجهة الصح لتحقيق طموحات العراقيين وأمانيه ذاتياً بقراره تدريب الأسود، وفي مخيلته صورهم من مواقع تحدٍ صعبة لم يخرجوا بانتصار بائن سوى في أمم آسيا 2007 المراد تكرار ملحمتها التاريخية في الإمارات.
ماذا يقول اصحاب الخيال الخصب في نصوصهم الإنشائية وهم منهمكون أمام شاشة الكمبيوتر لاستعراض عبقريتهم في فكّ أسرار الأسود بطريقة العرّافين (المخادعين) لشريحة من الجمهور الساذج أن تنظيم كاتانيتش للدفاع ليس على ما يرام وأن لجوءه لزجّ هذا اللاعب هو خطأ فادح وعدم فطنته لتقليص المساحات أدى الى استغلال المنافس الزيادة العددية وسط الملعب والضغط لتسجيل هدف التعادل، وهكذا يسرح المحلل (الفذ) في تصوّر الحلول الغائبة عن المدرب ليقنع الجمهور أنه أذكى منه ولو كان قريباً لما تأخّرعن نصحه وتنبيهه وتحذيره!
للأسف سنبقى نتطفّل على مهام المدرّب حتى لو تضرّر منتخبنا الوطني في نهاية المطاف، والطامة الكبرى أن وسائل الإعلام بدلاً من أن تكون مصدّاً لحماية المنتخب والمدرب في مشروعهما الوطني لإنجاح كرتنا ووصولها الى قمّة الاهداف باللعب في مونديال قطر 2022، راحت بعض القنوات والصحف تذكي شرارة الاختلاف على عقم فكر المدرب، وأنه افتضح أمام الكويت بصورة جلية ولا يستحق ما تقاضاه من مبالغ وعليه (وفق عقلية هكذا جهابذة) أن يستدرك اتحاد الكرة مأزقه قبل أن يدفع ثمنه بخسائر مريرة للأسود أمام أضعف المنتخبات العربية.
ما يعانيه العراق اليوم من مصاعب عدّة في شؤون الحياة يجب أن لا تنعكس على استقرار مسيرة منتخبنا الوطني كملاك تدريبي ولاعبين باشروا رسمياً رحلة التحضير لنهائيات أمم آسيا 2019، فالاتحاد ولجنة المنتخبات مسؤولان أمام الجميع لمتابعة كل ما يتصل بمهمة كاتانيتش، ومن المعيب أن يظهر أكثر من مدرب يهزّ يديه أمام المشاهدين منكّلاً في اختيار الاتحاد للمدرب الاجنبي ويقدّم نفسه منقذاً للأسود في حين يكمل كاتانيتش أسبوعه الثاني بعد!
حقاً إنها فوضى مرفوضة، وعلى الجميع الانتباه لمن يروم التسلية في التحليل أو التندّر من سلوك ما للمدرب أو تسويق لاعبين محترفين جُدد خارج الآلية السائدة في الاتحاد، يجب أن نوقِف جميعاً سلوك معاداة مدرب الأسود، هذه الغريزة القاتلة لأي أملٍ يزيح الخيبات والانكسارات .