سامي عبد الحميد
عندما نصل إلى الثمانينيات ويمر العراقيون بحرب طاحنة لا تمنع المسرحيين من الاستمرار بابداعاتم التي تتفوق على جميع أعمال هذه الأيام من الناحيتين الفكرية والفنية فقد رأينا كيف أبدع (قاسم محمد) في تصويره معاناة العراقيين في مسرحيته (حكايات العطش والأرض والناس). وكيف أبدع (عزيز خيون) في مسرحية عواطف نعيم (لو) الشعبية بحقٍ وحقيق. وكيف أبدع (صلاح القصب) في (هاملت) بأسلوب المغاير وباستخدام منطفي لازدواجية الشخصية. وأبدع (صلاح) مرة أخرى في إخراجه لمسرحية شكسبير (الملك لير) فكانت نموذجاً لما أسماه مسرح الصورة. ولم يستطع أحد من مخرجي هذه الأيام أن يحاكي اسلوبه رغم الادعاء بذلك. هل يستطيع أحد من مخرجي هذه الأيام أن يجمع في عمل واحد معظم طلبة قسم الفنون المسرحية في كلية الفنون كما فعلت أنا في مسرحية (كليوباترا) التي أعددتها عن ثلاثة نصوص لكل من شكسبير وبرناردشو وأحمد شوقي، وحققت في منظرها وفي أزياءها الدقة التاريخية لمصر القديمة؟ من ذا الذي يستطيع ان يقدم مسرحية بومارشيه (حلاق اشبيلية) وبنجاح كما فعل (عقيل مهدي). أذكّر أيضاً بنجاح (عوني كرومي) في اخراجه لمسرحية بريخت الشهيرة (الانسان الطيب من ستزوان) والتي شارك في تمثيلها أعضاء من فرقتين – المسرح الحديث والمسرح الشعبي. ولا يريد مخرجو هذه الأيام أن نستذكر الماضي حينما كانت الفرق الخاصة تنافس فرقة الدولة في أعمالها المسرحية وتضاهيها أحياناً. فأين هي تلك الفرق؟ هل ننسى او نتناسى مسرحية (ترنيمة الكرسي الهزاز) لفارق محمد وعوني كرومي وكيف استخدما محتويات دار تراثية كبيئة لأحداث المسرحية والتي لم يستفد منها مخرج مجدد منها بل بنى داخلها مسرح علبة؟
وحتى في مرحلة التسعينيات حين اتسعت رقعة المسرح التجاري وتنامت النزعة الاستهلاكية في الأعمال المسرحية كانت هناك ابداعات لم تصل إلى مستواها الفكري والفني أعمال هذه الأيام . كما كانت رائعة مسرحية (جسر أرتا) التي اخرجها (بدري حسون فريد) للفرقة القومية وكم كانت مثيرة مسرحية شعبية مثل (مطريمة) أخرجها للفرقة نفسها (عزيز خيون) وكم كانت احتفالية في عرضها مسرحية بيتر شافير (اصطياد الشمس) التي عرضت في ستوديو السينما في دائرة السينما والمسرح وكذلك مسرحية (طقوس النوم والدم) المعدة عن (ماكبث) والتي عرضت هي الأخرى في ذلك الاستوديو. هل قُدمت مسرحية هذه الأيام تعبر بصدق عن ما تركته الحرب من آثار سيئة على المجتمع العراقي مثل مسرحيات فلاح شاكر (الجنة تفتح أبوابها متأخرة) من اخراج محسن العلي و(مائة عام من المحبة) و(في أعالي الحب) من اخراج فاضل خليل، لم يكن الصدق فقط ما تتصف به تلك المسرحيات بل العمق والحقيقة والواقع. ومثلها كانت (المومياء) لعادل كاظم وغانم حميد.
لقد كان المسرح في العراق جريئاً في نقد ممارسات النظام القمعي السابق. وكان المسرحيون العراقيون يعرفون كيف يتفادون سوط الرقابة الشديدة المسلط عليهم كما حدث في مسرحيات مثل (إلى اشعار آخر) و(الكفالة) و(تفاحة القلب) و(هذيان الذاكرة المر). وهذا غيض من فيض.