لطفية الدليمي
في ثقافات الشعوب المتوارثة هناك حكاية منتشرة بين بعض القبائل الإفريقية ( وربما هي حقيقة ملموسة على الأرض وليست محض حكاية أسطورية ) أنّ رجال القبيلة إذاماأرادوا الإطاحة بشجرة عملاقة معمّرة – لسبب ما – وعجزوا عن ذلك بوسائلهم المتاحة فما عليهم سوى الوقوف أمام الشجرة ثمّ الصراخ على نحوٍ مركّز ومتواصل لبضعة أيام ، وبعدها ستنهار الشجرة وتهوي إلى الأرض ! .
ليس مهمّاً مدى مصداقية تلك الحكاية الأسطورية ؛ فالأسطورة – أية أسطورة - ليست موضوعاً مكرّساً لترسيخ حقائق نعيشها في الواقع بل هي وسيلة لتوجيه الفكر والنظر نحو تفاصيل دقيقة خافية قد نغفلها في خضمّ حياتنا اليومية الزاخرة بمشاغل والتزامات قد تحول بيننا وبين رؤية الكثير من التفاصيل ( الستراتيجية ) المهمّة لحياة الكائن البشري ، وبقدر مايتعلق الأمر بالأسطورة السابقة فالدرس البليغ الذي نخرج به منها هو سطوة الكلمة وقدرتها السحرية على إجتراح أعاجيب شافية مثلما هي قادرة في الوقت ذاته على كسر الروح ولجمها والتسبب بموتها كما حصل مع الشجرة العملاقة.
شاعت في السنوات القليلة الماضية عبارة (متلازمة القلب الكسير) وصارت مصطلحاً طبياً معتمداً بصورة أكاديمية ورسمية في الأدبيات الطبية العالمية ، والغريب في هذا المصطلح الجديد هو حمولته الدراماتيكية التي تبدو غريبة بعض الشيء عن طبيعة المصطلحات الطبية المتداولة ، ويبدو أنّ الخبرة الطبية العالمية صارت تميل أكثر فأكثر نحو تسمية الأمور بمسمّياتها بعيداً عن اعتبارات الصرامة الأكاديمية المفترضة التي قد تكون أحياناً مصدّاً تجاه هبوب رياح التغيير ومعاينة الحقائق على أرض الواقع من غير تزويقات أكاديمية ثقيلة الوقع ، ويعكس الأمر في نهاية المطاف نزاهة وشفافية لدى القيّمين على المؤسسات الأكاديمية العالمية ؛ فهم لن يتردّدوا عن أيّ فعل طالما كان معززاً بإحصائيات معتمدة ووقائع تؤكّد الحالة المقصودة .
أما من حيث الحيثيات فتؤكّد الدراسات الطبية أنّ الانكسار والحزن الشديد الناجمين عن فقدان شغف ما ، أو الإنغماس في عمل لايحبه المرء ويُفرض عليه فرضاً بحكم الظرف أو الحاجة المادية ، أو دراسة فرع لايحبه المرء انصياعاً لرغبة الأهل أو تماشياً مع الإعتبارات المجتمعية المتوارثة ، أو خسارة حبيب تجذّر حبّه في القلب لسنوات طويلة ، هذه كلها وغيرها أمثلة قد تتسبّب بتلف عظيم في العضلة القلبية يشابه في بعض تفاصيله التلف الناجم عن الإحتشاءات القلبية . لم يكن الوصول لهذه الحقيقة بالطبع سهلاً إلا بعد معاينة آلاف الحالات ودراستها والتثبت من دلالتها الإحصائية المؤثرة ، وممّا أكّد هذه الحقيقة هو شيوعها لدى شباب كانوا أصحاء يفيضون طاقة وحيوية ثمّ انتكست حالتهم عقب معايشتهم لواحدة من الحالات التي ذكرتُ بعضها ، وكم إندهش الأطباء المسؤولون عنهم لمعرفة مدى التلف الذي أصاب قلوبهم وهوعادة تلف لايحصل إلا بعد سنوات طويلة من مرض مزمن يصيب العضلة القلبية.
مايهمّنا في نهاية الأمر وبعيداً عن التفاصيل الطبية هو الآتي : إهتمّ بنفسك ولاتفعل مايخالف شغف قلبك وروحك تحت أي ظرف ، واحرص على محبيك وأصدقائك ولاتخدش أرواحهم بكلمة أو بعبارة قد تتسبّب لهم - من غير قصد ربما - بأذى لاتريده لهم بالتأكيد ، والأهم من كلّ ذلك هو أن لاتبخل على من تحبّ بكلمة (أحبّك) اليوم وقبل الغد . أنعش قلبك وقلب من تحبّ بالحب ، وابتعد عن الكلمات الفظة الجارحة ؛ فهي مدعاة لانكسار القلوب ، فلم يعد الأمر مزحة بعد اليوم .