طالب عبد العزيزصدر عن دار ازمنة - عمان - 2006للمترجمة العراقية سحر احمد الترجمة الجديدة لـ (كتاب التساؤلات ) للشاعر التشيلي الكبير الحائز على جائزة نوبل عام 1971 بابلو نيرودا، تقف المخيلة عاجزة عن تصور الحياة لدى نيرودا،
هذه الحياة التي عاشها بكل ما في الكلمة من معنى فهو يقول في مستهل كتابه الاجمل (مذكرات نير ودا) اعترف باني عشت، وللمرء ان يسأل ترى كيف تسنى للشعر ان يتدفق بالعذوبة هذه، بالرقة هذه ؟ كيف امكن لشاعر اخذت السياسة من عالمه الكثير ان يمجده الشعر الى الحد هذا ؟ وتأتي ترجمة كتاب التساؤلات للمترجمة الرائعة سحر احمد لتسد فراغا كبيرا تعاني منه المكتبة العراقية على وجه التحديد، في ظل الازمات التي تعصف بالقارئ هنا والذي بات يفتقد للكثير من التراجم الشعرية، ففي كتيب لا تتجاوز صفحاته الـ 60 صفحة اخذتنا اسئلة الشاعر الكونية الى ما لم يعد الانسان يسال عنه في زحمة انشغاله الشخصي، اذ تجاوز الشاعر السؤال الضيق المحدود في كتبه الاولى (النشيد الشامل، اسبانيا في القلب، سيف اللهب، مائة قصيدة حب ... ) وكتب المختارات التي وصلتنا عبر السنوات الطويلة لتعرفنا على الشاعر هنا وهناك ليأخذ بنا في طريق مغايرة تماما، ابعدتنا عن التفكير الشخصي تجاه الاسئلة الكلية، وبلغة تبدو الاجابة عنها ضربا من العمى فهو يقول مثلا : من يصغي لندم السيارة الجانية ؟ او هل من امر اشد من حزنا من قطار يقف تحت المطر ؟ او قل لي، الوردة عارية ام هو فستانها الوحيد ؟ او من اين للربيع في فرنسا كل هذه الاوراق ؟ او ماذا نسمي حزن الخروف الوحيد ؟لم تعد مثل الاسئلة هذه موضوعا شخصيا رغم بساطة او سذاجة السؤال احيانا، لكننا امام محنة كبيرة، محنة صنعتها الحياة الجديدة، ترى كيف يستنطق الشاعر ندم السيارة الجانية ؟ ومن الجاني السيارة ام الانسان ؟ كيف يجعل الشعرُ الحديدَ الجامد َ نادما حزينا ؟ وعظمة شعر نير ودا تتأتى من الحياة العظيمة التي عاشها فهو يقول في كتاب مذكراته، انه مرة كان مع وفد ثقافي في زيارة لعمال المناجم في تشيلي، فخرج له احد العمال من بطن المنجم المظلم وصافحه بيدين معروقتين سخاميتين، وبعيون ضيقة لم تدركها الشمس من ايام صائحا به :اي نير ودا ايها الشاعر الكبير انا اعرفك فقد قرأت لك قصائد جميلة، وهنا يتحدث نير ودا عن سعادته بالقارئ هذا. لقد احب حياة اولئك الذين كتب عنهم وعن حبيباتهم وعاش الجزء الاكبر من حياته معهم فقد كان عضوا في الحزب الشيوعي التشيلي حتى قبيل وفاته بايام . وتترجم سحر احمد في صفحة الكتاب الاولى مقطعا من تجربته الشعرية حين تعرف على شاعر اميركا الكبير والت ويتمان فهو يقول عنه :تعلمت انا الشاعر الذي يكتب بالاسبانية من والت ويتمان اكثر مما تعلمته من سرفانتس .. وتختار المترجمة سحر احمد لصفحة الغلاف الاخير مقطعا مما كتبه الارجنتيني الكبير خورخي لويس بورخيس الذي قال :التقينا قبل اربعين سنة، كنا نحن الاثنين، في ذلك الوقت،متاثرين بويتمان، وقلت نصف مازح (لا اعتقد ان هنالك ما يمكن صنعه باللغة الاسبانية ؟هل تعتقد بذلك انت ايضا ؟)وافقني يقول بورخيس لكنه قرر بانه فات الاوان ان نكتب نصوصا بالانكليزية، وانه علينا بذل الجهد لاخراج الافضل من ادب هو من الدرجة الثانية..) ويقول رينيه دي كوستا : لم يكن الشعر بالنسبة لنير ودا مجرد تعبير عن العواطف والمسائل الشخصية، بل - كما عبر - هو نداء عميق يتعالى في الانسان، ومن هناك ينبعث الطقس الديني والترانيم وكذلك محتوى الديانات ..،وبذلك يفتخر نير ودا بانه يعرف اكثر من 300 نوع من الزهور في تشيلي كما جاء في كتابه المهم (حجارة السماء حجارة تشيلي) . حين فرغ نيرودا من بناء بيته الدائم في ايسلا نيغرا واصل رحلاته الممتدة فقد زار كوبا عام 1960والولايات المتحدة الامريكية 1966 وعندما انتخب سلفا دور اللينيدي رئيسا لجمهورية تشيلي عين نيرودا سفيرا في فرنسا للاعوام 1970- 1972 واثناء الانقلاب الفاشي الذي جاء بالدكتاتور بينوشية واطاح بحكومة اللينيدي اشيع ان نيرودا قتل اثناء دخول العسكر قصر الحكومة، لكنه في الحقيقة مات في العاصمة سانتياغو بعد اصابته بسرطان الدم، لكن قصة موته ظلت مقترنة بمشهد الدم الذي خلفه الانقلابيون . وتاتي ترجمة(كتاب التساؤلات) للمترجمة العراقية سحر احمد لتذكرنا بترجمة سابقة للكتاب كانت قد صدرت مع قصائد اضافية هي 2000والوردة المفصولة عن منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي في دمشق عام 1978 بمقدمة مبتسرة جدا للمتر
مع بابلو نير ودا في كتاب التساؤلات
نشر في: 23 إبريل, 2010: 04:43 م