كانت حياته مليئة بالمجد وبخيبات الأمل أيضاً، على غرار حياة ناظم حكمت بتركيا وفردريكو غارسيا لوركا بإسبانيا، ولوي أراغون بفرنسا. فلم يكن بمقدوره سوى أن يكون باحثاً عن أحلام مستحيلة في الغالب. ولكنها كانت أحلاماً تستحق أن يعتنقها الإنسان. وكان يعرف أن طائر السنونو أكثر بقاءً من التمثال الصلب.
عندما منح هذا الشاعر جائزة نوبل جاء في بيان الاكاديمة أنه شاعر الكرامة الانسانية المنتهكة .. يوقظ الحياة فيها ويزرعها بالبرق، ليضيء به قلب الانسان ويصافح حيوات الناس الطامحين الى الحب والحياة والحرية ولذلك يتوحد شعره مع مواقفه وتتوحد حياته مع مصير الانسان ، وتكمن اهمية انيرودا في ا في الظاهرة التي جسدها الى جانب عدد من شعراء اسبانيا البارزين، وشعراء العالم الذين وحدوا بين الحياة والكفاح من اجل العدالة والحرية فيها وبين الرؤية الجمالية التي انطلقت من البحث عن الخلاص الجماعي، الانساني بدلاً من الاستغراق في عالم الذات، والبحث عن الخلاص الفردي، فكان بذلك شاهداً حياً على عصره، ومشاركا في النضال من اجل جعله اكثر انسانية وجمالا، الامر الذي جعل منه جزءاًَ من أشهر نجوم الشعر الممتد من لوركا الى انطونيو ماتشادوا وخيمنييث وبول ايلوار والبرتي هذا النهر الذي ظل يحفر مجراه بعمق بين صخور الحياة لتغطي خضرة الشعر عري الحياة الفاضح. بدأ نيرودا بإصدار باكورة دواوينه منذ 1923 وهي مجموعته الشعرية الأولى كتاب (الشفق).آنذاك كان طالباً يدرس الأدب الفرنسي في جامعة تشيلي في سانتياغو. بعدها أصدر مجموعة (عشرون قصيدة حب، وأغنية يأس واحدة) 1923-1924، التي جلبت له الشهرة خارج تشيلي. توالت أعماله الشعرية على مدة حياة طبعها توالي الأسفار التي أثرت دون شك قدراته الخيالية، وأغنت إبداعاته الشعرية. فلم تخل إنتاجاته من آثار التجوال والمنفى. يقول نيرودا: (خلال حياتي كلها رحت وجئت، وغيرت ملابس وكواكب). كان نيرودا قد أصبح شاعراً معروفاً أعوام بين 1921/ 1924 وكان عمره ستة عشر عاماً. واقتحم الحياة الطالبية من أوسع أبوابها، فقد بدأ آنذاك يعمل في هيئة تحرير مجلة الطلبة (كلاريداد). وصار يكتب افتتاحياتها ذات الطابع الكفاحي الثوري. وفي الثاني والعشرين من كانون ثاني 1921 ظهر في المجلة للمرة الأولى الاسم المستعار بابلو نيرودا وكان اسمه الحقيقي نيفتالي ركادو ريس باسوالتو). وفي عام 1920 انتخب رئيساً للرابطة الأدبية. وكان قد نشر في مجلة (كلاريداد) وحدها 108 مقالات، بإسمه المستعار الذي اكتسب شهرة عالمية، وبعد أن صارت كلمته الجميلة تصدح تقريباً في كل مكان. كانت كلاريداد أول مجلة دورية تشيلية، ساندت الحركة التقدمية من أجل الإصلاح الجامعي. ظهرت عام 1918 في مدينة قرطبة الأرجنتينية. فضحت عيوب المجتمع الإقطاعي المتخلف وآثامه، ووقفت المجلة علناً ضد الهستيريا السوفيتية التي هددت بتوريط المنطقة في مذبحة دموية مع البيرو. صادف نيرودا الشاب في هيئة تحرير (كلاريداد) تيارين في الفكر السياسي والاجتماعي: الأول كان يندفع نحو المبادئ الفوضوية السنديكالية، والثاني نحو المبادئ الماركسية. وكان يكاربارين بالنسبة لنيرودا نموذجاً لأولئك مانريك، يأخذون الحياة بأيديهم ويجذبون سائر النفوس إليهم. ترأس تحرير مجلة كابالو دو باستوس، الأدبية عام 1925.وصدر له في نفس الفترة (محاولة الرجل اللانهائي. نشر (إقامة على الأرض)في عام 1933، وكان قد كتب قصائده ما بين 1925 و 1931، كتب (إسبانيا في القلب)، من وحي الحرب الأهلية في إسبانيا في آب1936، وبعد أن أعدم لوركا بالقرب من غرناطة ترك عمله قنصلاً وغادر إلى باريس، حيث أسس مجلة (شعراء العالم) ودافع فيها عن الشعب الإسباني. أصدر في باريس (إسبانيا في القلب) عام 1938. وقدم له الشاعر أراغون، أسس في بلده مجلة (فجر تشيلي). كتب1940 (نشيد تشيلي العام)، الذي أصبح فيما بعد (النشيد الوطني. وعُين قنصلاً في مكسيكو، وكتب هناك نشيد من أجل بوليار). كتب في كوبا (أغنية حب في تسالينغراد). عام 1942. وعلقت هذه القصيدة على لافتات كبيرة فوق جدران مكسيكو، حاز على جائزة الأدب الوطنية في تشيلي. في 8 تموز 1945 و حاز على جائزة السلام الكبرى في باريس عام1950، مناصفة مع بيكاسو عن قصيدته (فليستفق الحطاب) نشر (كل الحب)، و(شعر سياسي) أنطولوجيا في الشعر العالمي في جزأين. وصدر له أيضاً (الأناشيد التمهيدية) و(الكرمة والريح). وذلك سنة 1954، وفي عام 1958صدر كتابه (مئة قصيدة حب). وفي 1964صدرت مجموعة (مذكرات الجزيرة السوداء). في خمسة أجزاء. وعام 1968صدرت النسخة الثالثة من مجموعة أعماله الكاملة. و نشر سنة1969 (نهاية ألم) أيضاً. حاز على جائزة نوبل للآداب1971في 21 تشرين الأول. وفي 1972بدأ كتابة مذكراته. ولكي يتفرغ لكتابتها تنحى عن منصبه في باريس. في تشرين الثاني عاد إلى تشيلي حيث استقبله الشعب استقبالاً لا مثيل له. صدر عام 1973 كتابه الشعري (مدح الثورة التشيلية). كان نيرودا شاعراً ذا أساليب عديدة وأصوات عديدة، شاعراً ظل عمله مركز كل شعر إسباني أو إسباني أمريكي طيلة القرن العشرين تقريباً. لقد قيل ذات يوم أنه بيكاسو الشعر، في تلميح إلى قدرته المتلونة على أن يكون دائماً في طليعة التغيير. كان يمكن لعدة سبل أن تدفع بالشاعر
بابلو نيرودا شاعر الكرامة الانسانية المنتهكة
نشر في: 23 إبريل, 2010: 04:47 م