سلام خياط
نمرق من ساحة التحرير على عجل ، كما مرور الكرام ،، فلا يستوقفنا (( نصب الحرية ))لكثرة إعتياد مشهده منتصباً في الساحة .. ولا نتذكر صاحبه ولو بقراءة الفاتحة .
أعثر على جذاذات أوراق ، كتبها جواد سليم على شكل يوميات ، نشرتها جريدة الجمهورية — آنذاك ــ سيظل عبقها عاطراً ما دام نصب الحرية ينتصب شامخاً في أهم ساحة ببغداد .
تظل لليوميات ، ذات الخلجات الشخصية والعاطفية عبقها المحبب ،، وسنرى — فيما بعد —إن جواد سليم الذي بدأ يومياته بتسجيل تلك الخلجات ، سينسحب منها رويداً ، رويداً ، ليكتب عن الفن ومعاناة الإنسان .
………
١٥نيسان ١٩٤٤
اليوم ، أظن أن كل شيء قد انتهى بيني وبين (…..) وأظن أيضاً إن الحب قد انتهى بيني وبين اية إمراة أخرى
١٦ نيسان ١٩٤٤
أمرّ هذه الأيام بدور مزعج ، أشعر بنوع من اليأس في كل شيء .. مرارة الألم تزداد عندى بصورة مخيفة . ،،، أتصور أحياناً أنني قد أصبحت شيئاً هاماً في يوم من الأيام… ولكن ماذا ستمنحني الشهرة والخلود اذا لم أعش ؟.
……
حين تهيأت للفنان جواد سليم فرصة أن يصمم نصب الحرية في ساحة التحرير ببغداد ومنح مطلق الحرية في التعبير ، عزم على جعل منحوتاته على غرار الأسلوب القديم ٠( وهو النحت الناتئ لا النحت المجسم . ثم واءم بين الأسلوبين ، فرتب تراكمات الرؤى والرموز على شكل بيت من الشعر . يُقرأ من اليمين لليسار .
في أمسية شديدة البرودة .. وحين كانت المنحوتات تأتي من فرنسا معبأة بصناديق ضخمة ، ليتلقاها الفنان كمن يتلقى محاراً زاخراً باللؤلؤ، تفاجئه نوبة قلبية ، ليداهمه الموت قبل أن يشهد نصبه مرفوعاً . كما علم على سارية —مساء يوم (٢٣) كانون الثاني ١٩٦١. وهو لم يبلغ الثانية والأربعين.. وكانت وفاته فاجعة لعشاق الفن سيما في المدينة التي أحبها (( بغداد)) .