TOP

جريدة المدى > عام > قراءة جديدة في عمارة "بلاد ما وراء النهر"

قراءة جديدة في عمارة "بلاد ما وراء النهر"

نشر في: 24 سبتمبر, 2018: 07:00 م

متابعة المدى

أصدر د. خالد السلطاني (المعمار والأكاديمي) كتاباً جديداً ، بعنوان "العمارة الاسلامية في بلاد ما وراء النهر: تميز المقاربة وتنويع الخطاب" ، والكتاب صادر عن "دار الأديب" في عمان الاردن في هذا العام (2018)، وجاء بـ 568 صفحة من القطع الكبير وبغلاف سميك. والملاحظ إن عنوان الكتاب "لا يحضر" في الغلاف الخارجي، وإنما ترك المجال واسعاً "لحضور" عمارة بلاد ما وراء النهر، بكل <بهائها> وتميزها وإضافاتها للعمارة الاسلامية! وبهذا أراد المؤلف إن يؤكد من خلال إجراء محدد الى أهمية الحدث المقروء مجدداً.
ومع أهمية عمارة بلاد ما وراء النهر وقيمتها الأسلوبية في منتج العمارة الاسلامية ، فان الكثير من القراء وحتى بعض من المهتمين، لم يقدروا ذلك الدور المهم الذي اضطلعت به تلك العمارة، في اثرائها لمنتج العمارة الاسلامية. ويعزو هذا القصور الثقافي والمعرفي الى عوامل عديدة، من ضمنها العامل "الجيو سياسي" الذي وجدت عمارة بلاد ما وراء النهر نفسها فيه، وباتالي نجمت عنه، وعن غيره من العوامل، تلك "الغربة" وعدم الاكتراث اللتين صاحبتها تلك العمارة المبهرة.
يكتب المؤلف في مقدمة الكتاب، عن اهتمامه الشخصي بمنتج عمارة ما وراء النهر، ويرجعه الى أوقات بعيدة، ويقول "... يعود اهتمامي الكبير (هل أقول شغفي العميق؟!) بعمارة بلاد ما وراء النهر، الى فترة زمنية بعيدة، وتحديداً الى مطلع السبعينيات من القرن الماضي، عندما كنت أحضّر في "مدرسة موسكو المعمارية" لأطروحتي للدكتوراه في موضوع "العمارة العربية الحديثة". ونصحني، وقتها، مشرفي المعمار "ميخائيل بارش"، أن أزور معالم عمارة "آسيا الوسطى" (وهو الاسم الشائع لعمارة <بلاد ما وراء النهر> في أدبيات النشر الروسية والسوفيتية والغربية أيضاً). وفي حينها، دُهشت لمدلول هذا المقترح، الصادر من أحد رموز عمارة "الكونستروكتفيزم" Constructivism (وكان أستاذي أحد الممثلين المهمين لذلك النهج الابداعي) ، تلك المقاربة المعمارية "العشرينية" الرائدة والطليعية، التي قُدر لها أن تغيّر مسار العمارة العالمية، وتبدل الكثير من قناعاتها، فاتحة الطريق على مصراعيه، لظهور ما يعرف بـ "العمارة الحديثة". لقد خُيل اليّ، في حينها، كيف يمكن أن يكون أحد رجالات تلك المقاربة الحداثية مهتماً بشواهد التراث المعماري؛ وكيف يمكن إيجاد ربط بين مقترحه و"موضوعة" إطروحتي المكرسة لشواهد الحداثة في منتج العمارة العربية؟! لكني، وبعد زيارتي الأولى لمعالم تلك العمارة بذلك الإقليم النائي، أدركت مغزى وقيمة مقترح أستاذي الجليل. وتعلمت بان مفهوم "الحداثة"، و"الحداثة المعمارية" على وجه اليقين، لا ترتبط بفترة زمنية معينة، كما لا يمكن "تكبيلها" بإطر ومحددات حالتها التاريخانية. إنها مفهوم ابداعي، يتمرد في جوهره وتمظهراته، عن السائد والشائع والمألوف، حتى ولو بدا وكأنه يكرس قطيعة "أبستمولوجية" ومهنية مع ذلك الشائع والمألوف.
ومنذ ذلك الوقت، وكلما سنحت الفرصة بذلك، وأنا أزور باستمرار ذلك الإقليم وعمارته المدهشة، متأملاً نماذجه التصميمية، ومحاولاً إدراك كنه وقيمة حلوله التكوينية عالية المهنية، مصوراً للكثير من أمثلته المبنية، عاملاً بعض "الرسوم السريعة" Sketches لبعض نماذجه المميزة (أنشر بعضاً منها في هذا الكتاب)، زيادة في التوثيق وترسيخ "إميج" تلك العمارة في الذاكرة الذاتية. وإذ أطمح بتفهم قراء كتابي المحترمين، وتقديرهم للمشاعر الجياشة التي قد يصادفونها في بعض كلمات النص الكتابي، فما هذا إلا تعبير عن شغفي وولعي بـ "ثيمتي" المتمثلة بقراءة تلك العمارة المبهرة، قراءة جديدة، وأحياناً مؤوله، وكذلك محاولة إيصال الإحساس لمثل ذلك الشغف والولع الى القراء الكرام".
يشير المؤلف في المقدمة، أيضاً، من أن ملكية جميع الصور الملونة المنشورة في الكتاب تعود إليه شخصياً، ويكتب "... لقد جمعتها عبر سنين عديدة والتقطتها أثناء زياراتي الكثيرة الى الإقليم، ووثقت بها حالتها الآنية، كما اخترت الزوايا التي يمكن ،ن تسهم في إعطاء تصورات كافية وواضحة عن قيمة العمارة المنجزة وتفاصيلها الغنية. لقد جمعت آلاف من الصور، وسعيت وراء نشر حوالي 750 صورة في هذا الكتاب، تعكس طبيعة العمارة المصممة ونوعية الخامات المستعملة بالإضافة الى عرض أساليب زخرفتها وتزييناتها، فضلا على حضور اللون فيها، كجزء مهم من الحل التكويني لتك المباني. كنت في حالات عديدة وقبل التصوير اجلس امام الأثر او في باحته الوسطية او عند اطلاله، كي استشعر بعمق عن ما يحيطني من روائع تصميمية، مستحضرا توق المعمار المجتهد ومقدرا طموحاته في عمله الخلاق مع حرفييه الذين لا يقل جهدهم الفني عن الحلول التكوينية الفضائية التي قام بها زميلهم المعمار. وكان ذلك يتم قبيل فعل "تجميد اللحظة" المرئية لتعكس الصورة الملتقطة "مزاج" الشاهد المرئي، وان تكشف عن جمالياته الخبيئة، او هكذا طمحت ان تكون طبيعة الصورة الملتقطة"!
يلفت المؤلف أنظارنا الى أهمية وقيمة الحدث المعماري المجترح في الكتاب، وضرورة الإلمام بنجاحاته وإعادة تقييمه وقراءته ، ومن ثم تأويله مجدداً ليكون حاضراً في سياق الممارسات المعمارية الآنية، "ملونا" منتج العمارة الاسلامية بلون مميز، ومثرياً ذخيرة العمارة العالمية بمقاربة خاصة ولافتة/ وهو يكتب عن موضوعة كتابه بما يلي" .. لقد حرصت أن أتعاطى معها كموضوع مهم يدلل على تنويعات منتج العمارة الإسلامية، ويتسم على قدر كبير من الاجتهاد التصميمي والقيمة الجمالية العالية. وإذ قدّر لقارئ الكتاب أن "يكتشف" ذلك الشغف المهني، وأن "يحس" بما أكِنه من تقدير واهتمام عاليين لمنجز العمارة الإسلامية، وتحديدا لاحد تنويعاتها المهمة والذكية، المتجسدة في منتج <عمارة بلاد ما وراء النهر>، فاني افترض، بان الجهد المبذول طيلة سنين عديدة، والمسعى المكرس لتعقب وتبيان وإضاءة هذا الموضوع المعرفي والمهني، لم تذهب سدى!".

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram