طالب عبد العزيز
حين تخشى من ترك سيارتك أمام البيت دون أن تصلها بجهاز إنذار مبكر، دونما كاميرا عند الباب، فأنت في العراق، وفي البصرة تحديداً، وحين تذهب للطبيب في المستشفى، أو العيادة أو الصيدلية أو المختبر فلا تأمنه على صحتك ونقودك، فهذا يعني أنك في مدينة عراقية. وحين تغرس في حديقة منزلك شجرة، اقتطعت ثمنها من خبزك وثيابك، ثم، وفي بحر من أشهر ثلاثة يصبح ماء الحديقة ملحاً أجاجاً، وتموت الشجرة، فأعلم أنك في البصرة، بكل تأكيد.
وإذا تخرّج ابنك في الجامعة، وظل يبحث عن فرصة عمل تناسب تحصيله، وامتد الزمن به عاطلاً، ثم رأيت أقرانه من الأسر الحاكمة قد ركبوا السيارات الفارهة وتسنموا المناصب الكبيرة فلا تبتئس لأنك لست خارج العراق. أما إذا أرسلت ابنك الصغير الى المدرسة وعاد باكياً، وقد سرقت السندويتش التي في حقيبته، أو علبة أقلامه الملونة، فلا تذهب بغضبك بعيداً، لأن مدير المدرسة لن يفعل لك شيئاً مما تطلبه، فهو أضعف من أن يقوم بتعنيف الطالب الذي سرقها، لأن أهله سيقفون لك وله بالمرصاد، طبعاً، ذلك لأنك في العراق، فأحمد الله أنه عاد لك سالماً.
أما إذا ذهبت الى دائرة ما، بغية أكمال معاملة لك، ولم تجد الموظف الذي بيده أمرك، فلا تبحث عن السبب، سيقولون لك بأنه ذهب حاجاً، أو الى الزيارة، أو ذهب ليصلي في المسجد القريب، فلا تذهب الظنون بك بعيداً في حِليّة أمواله، هي دنانير قبضها منك ومن غيرك، ذهب ليطهّرها هناك. ولكي تستبدل ضجرك، أدخل أي سوق، وتبضع الفاكهة والخضار وما شئت من هذه وتلك، التسوق متعة كما يقولون. لكن، لا تتفاجأ إذا قالت لك زوجتك بأن نصف الذي اشتريته كان تالفاً، وهنا، أنصحك بألا تنزعج، فتذهب بها اليه، لأنه لن يحفظ لك كرامة.
لا تأمنَ شرطياً في شارع، فقد يكون لصاً ارتدى ثياب الشرطي، الجندي، الذي في ضميرك، ولكي لا تقع في المحذور، اسأل عن جارك الجديد، لعله كان قاتلاً، هرب من قريته التي هناك، في الأحراش، وجاء طامعاً في السلامة قربك، فهو لغم مهجور، الى حين إذن، سيطال بيتك الرصاصُ إن علم غرماؤه بسكنه الجديد، هذا زمن كثرت فيه جيرة السوء، وانعدمت فيه المروءات.
هذا زمن يجعل فيه مؤذن المسجد مؤشر مضخم الصوت على درجته العليا، أما إذا طلبت من لطفه خفض الصوت سيتهمك بالكفر والشيوعية، وحاذر أن ترتدي يشماغاً أحمرَ أو فراتياً منقطاً في الضاحية التي تكون قاصدها، فهذه تتهمك بالناصبي وتلك تتهمك بالرافضي، وما كنت بين هذه وتلك إلا عابرطريق. يتأخر ابنك في المدرسة أو الوظيفة، وتتصل بهاتفه فلا يجيبك لأمر لا تتوقعه، قد يكون هاتفه مغلقاً، لنفاد الشحن فيه، مثلاً، لكنك ستلاقي الأمرين في اقناع أمه بكونه مازال على قيد الحياة.
قل لزوجتك أن تجعل حقيبتها تحت عباءتها إذا ذهبت للطبيب، لأن لصوص حقائب النساء، الذين عند عيادات الأطباء هناك كثر، وهم يترصدونها، لن تلحق الشرطة بهم، فالشرطة تخافهم، هم مسلحون، والشرطة لا يغامرون بحياتهم من أجل حقيبة امرأتك. أما إذا أخذت التاكسي عائداً الى البيت، فإياك أن تطلب من السائق أغنية في مذياع سيارته، في مثل الأيام هذه.