طالب عبد العزيز
لنتوقف ملياً، بين لحظتين، لحظة وقوف تارا فارس أمام المرآة، واكمال ماكياجها وتعطرها بعطرها الذي تفضله، قبل خروجها هادئة مطمئنة، من منزلها، وبين لحظة وقوف القاتل أمام نفسه- لأنه بلا مرآة-وأرتداء قناعه، والامساك بالمسدس، والتمرين عليه، ثم الاندفاع مسرعاً، هو لا يتعطر، لأن رائحة الدم متمكنة من أنفاسه. بين اللحظتين هاتين تختبر الإنسانية وجودها، ونجد أنفسنا عراة أمام لحظة عارية جداً، ذلك لأن ملايين النساء في العراق والعالم سيجدن أنفسهن في الموضع الذي وقفت فيه تارا أمام مرآتها، لا لأنهن يشبهنها في ممارسة الحياة، إنما لأن القاتل قادرٌ على اختزال كل اللحظات الانسانية في مسدس معلن.
نحن، مجتمعين، والنساء في العراق بخاصة، بحاجة الى رعاية أممية، وعلى المجتع الدولي حمايتنا، هذه بلادٌ تتيح للقاتل أكثر مما تتيحه للمقتول، الدولة عاجزة في جانب ومتواطئة في جانب واضح آخر، المجتمع متواطئ أيضاً، هناك سلوك اجتماعي لا يكتفي بالصمت، بل ويبرر، وما قرأناه على صفحات التواصل بأقلام الرجال والنساء، مع الصمت الذي تبديه المؤسسات يجعلنا بحاجة الى رعاية أممية. الشرف مفهوم عام، ويختلف عند جماعة وأخرى. إذا كان أحدهم قد سأل آخرَ السؤال التقليدي، الغبي:" أتقبل بأن تكون تارا فارس أختك؟ نقول له:" ماذا لو كانت تارا فارس قد عرضت عليك مصاحبتها الى فراشها، أترفض؟
سيكون القاتل آمناً- هو آمن بكل تأكيد- كلما سمعنا تبريراً للقتل. نحن الأحياء، لا نتحسس صدورنا دائماً، فإذا كانت ملابس وسلوك وحياة تارا أسباباً لقتلها، ستكون ثياب نسائنا وتسريحة شعورهن ووجودهن في المدرسة والوظيفة مع زملائهن أسباباً موجبة عند القاتل، هلّا تذكرنا مقاتل النساء في البصرة، ومقاتل العاملات في المقاهي ببغداد، ومقاتل الحلاقين في عموم محافظات الوسط والجنوب؟ القاتل يبحث عن مسوغ والبعض الآخر يمنحه ذلك. وها، نحن نوفر للشرطة الفرصة الكاملة للصمت. ومن خلالنا تجد الشرطة نفسها قادرة على فبركة قصة مقتل امرأة في شارع، ذلك لأننا، كمجتمع، نمنحها واحدة من حكايات الشرف والثأر في كل جريمة لقتل امرأة، لتسميها جريمة جنائية، ولما وجدتنا نملك التبرير لكل امراة تقتل، ظلت صامتة أمام أي رجل يقتل في شارع مظلم، أو حتى في واضحة النهار. لقد استمرأت الحكاية.
معلوم، بأن الذي قتل تارا في بغداد أمس وسعاد العلي قبل أربعة أيام في البصرة، وشفاء كردي قبل سنة في الموصل، هو ذاته الذي قتل اسامة الدغمان قبل اسبوع في ابي الخصيب وقتل هادي المهدي قبل ثلاثة أعوام في بغداد وأختطف فرج البدري قبل سنة في الناصرية ووو في المسلسل الدامي الذي لا نجد له نهاية، منذ العام 2003 الى اليوم. في الدوامة هذه، وكمواطنين عزّل إلا من رفضنا، نشعر بأن مسدس القاتل يقترب من صدورنا، بعد كل تبرير سخيف من الشرطة، بعد كل تفسير سخيف للحادثة، نشاهده في مقطع فيديو أو نقرأه في صحيفة. تبرير القتل قتل آخر. كل عين تفتح للنور تقابلها أعين تفتح للظلام. هذه بلاد يتناسخ القتلة فيها، يتناوبون على رقابنا كلما صرنا الى الصمت أكثر.