علي حسين
اصبحنا نتفرّج على الوحوش البشرية التي قررت في لحظة أن تتحول إلى وكلاء باسم الدين، لنثبت للعالم أننا خير أمة في فنون القتل، طرق ووسائل نادرة ومبتكرة من الهمجية تخصّصَ بها نفر من الذين يعتقدون أنهم فوق سلطة القانون، ولعلّ مقتل"تاره فارس هو نتيجة طبيعية للصمت الخبيث الذي تمارسه الأجهزة الأمنية حين تكون الضحية امرأة، لأنها في نهاية الأمر مجرد رقم يضاف الى عدد القتلى والمغيّبين والمهاجرين إلى المجهول، كل ما نراه من مشاهد القتل هو صناعة سياسية خالصة، فبأيدي ساستنا الأشاوس نكتب صباح كل يوم أسوأ صفحات في تاريخ الإنسانية، الكلّ يصرخ"ما ننطيها"“الكل مشغول بابتكار وسائل جديدة للنهب والقتل، لكنّ لغة الانتهازيين واحدة: لا مكان لأنفاس من نختلف معهم.
يقتلون باسم الوطنية، ويسرقون باسم التوافق، ثم يخرجون على الفضائيات يتحدثون عن المؤامرة الإمبريالية، ويسخرون من أميركا التي اندحرت في العراق بسبب حصول محمد الحلبوسي على كرسي رئاسة البرلمان، ولأول مرة أشعر بالتعاطف مع الماسونيّة، التي لم يتهمها أحد بأنها تريد تشويه سمعة أحمد الجبوري"أبو مازن"، ولا أحد يشتمها لأنها لاتريد أن يتولّى فالح الفياض منصب رئيس الوزراء،نحن نعيش في عالم غريب حقاً، عالم وصفه إبراهيم الجعفري أمس بأنه"عالم الكثير فيه يبتسم، وهو -في الحقيقة- لا يبتسم، لكنَّه يُقلـِّص عضلات الضحك"!، وعملا بنصيحة ابراهيم الجعفري فقد حاولت أمس أن أقلّص عضلاتي إلى أقصى حد وأنا أستمع الى خطاب سيادته وهو يتلاعب بالتاريخ بكلّ خفة ورشاقة ليخبرنا أن سرجون الأكدي الذي عاش سنة 2330 ق.م قدم وصفا رائعا لمدينة بغداد التي بنيت بعد وفاته بثلاثة آلاف عام.
ليست هذه المشاهد البائسة التي يخرج فيها ساستنا ومسؤولونا مهينة للدولة العراقية، لكنها، وهذا هو الأخطر، نوع مخيف من الإصرار على السذاجة، وصنف جديد من العبث بالتاريخ عشنا فصوله مع عمار طعمة، وكانت ذروته كلمة إبراهيم الجعفري!
لم يحدث في تاريخ البلدان أن غُيِّب العقل الى هذه الدرجة. غيّبهُ الاستقواء بالطائفة، وهوس الانحيازات العشائرية، والدولة العلمانية التي كنا نسمع عنها في خطب البرلمانيين، أصبحت تهمة تؤدي بصاحبها إلى الموت.
اليوم أصبح العراقي يبحث عن طائفته لا وطنه، ويدفعه الساسة إلى عدم التحرج من إعلان ذلك،. كانت الناس تخجل من الإفصاح عن انتماءاتها القبلية، فإذا بدعاة العراق الجديد يعلنون الخوف من الإفصاح عن الانتماء للوطن!