ثائر صالح
كان انتونيو فيفالدي (1678 – 1741) أحد أشهر الموسيقيين في عصره، وعرف عنه عزفه الماهر على الكمان. طغت شهرته على كثير من معاصريه، بينهم الموسيقي الرائع ومواطنه الفينيسي توماسو آلبينوني (1671-1751). لكن صيت فيفالدي خُبّئ بعد وفاته وزوال عصر الباروك، ونساه الناس. ولربما يعود الفضل في إبقاء الاهتمام به إلى ما اسميه "صرعة باخ" التي أصابت اوروبا في القرن التاسع عشر، لأن باخ كان بين المعجبين بفيفالدي، فقد قام بإعادة توزيع بعض كونشرتاته للهاربسيكورد بدلاً من الكمان بغرض تقديمها في مقهى تسيمرمان الشهير، مثلما قدم أعمال صديقه جورج فيليب تلمان والنمساوي يوهان يوزف فوكس والايطالي فرانشسكو جمينياني وغيرهم. ومع ذلك لم يُعرف إلا القليل من أعمال فيفالدي، هي ما نشر خلال حياته ولا تتجاوز 12 مجموعة من الأعمال الموسيقية للأدوات. خال الباحثون إن أعماله غير المنشورة فقدت، لغاية اكتشاف عدد كبير من أعماله محفوظة في دير بسان مارتينو بإيطاليا سنة 1926، جرى شراؤها ثم ترتيب إهدائها إلى المكتبة الوطنية في تورينو سنة 1927، بعد ذلك ألحقت بها مجموعة ثانية من مقتنيات الكونت دوراتسو من نبلاء جنوا سنة 1930. ومنذ ذلك الحين بدأت عملية اعادة اكتشاف أعمال فيفالدي التي ماتزال جارية حتى اليوم.
ارتبط اسم فيفالدي بدار أيتام الرحمة التي مولتها جمهورية فينيسيا. فقد عمل فيها لمدة 30 سنة وكان مسؤولاً عن تدريس البنات علوم الموسيقى والعزف على الأدوات، وقيادة فرقة الميتم وتأليف الموسيقى لها. وقد حصلت فرقة الميتم على شهرة كبيرة خلال فترة ادارته لها تخطت حدود فينيسا. وقدمت الفرقة الكثير من أعماله المهمة، منها اوراتوريو "انتصار يوديت" احتفالاً بانتصار جيوش جمهورية فينيسيا على العثمانيين واسترجاع جزيرة كورفو منهم.
برز فيفالدي في تأليف الكونشرتو لمختلف الأدوات الموسيقية، ولديه المئات منها. لكنه ألف أعمالاً غنائية كذلك، وبالذات الكثير من الأوبرات، أكثر من 94 اكتشف منها حوالي 50 لحد الآن، والكثير من الأعمال الدينية والدنيوية الغنائية المختلفة. لكن مع تأليفه الكثير من الأوبرات، لم تصل سمعة وشهرة معاصريه مثل السّاندرو سكارلاتي أو يوهان آدولف هاسه (الألماني الوحيد الذي بز الطليان بأوبراته) أو بالداساره غالوبي. من أشهر أعماله كونشرتات الفصول الأربعة، كتبها في مانتوا سنة 1717 أو 1718 أثناء اقامته فيها لثلاث سنين، وتعد ثورة في وقتها، إذ صور فيفالدي فيها الطبيعة بشكل غير مسبوق.
لكن الذوق الموسيقي تغير في أواسط القرن الثامن عشر، فقد ظهرت أجيال جديدة من الموسيقيين أولها جيل كارل فيليب إيمانويل باخ وبعده جيل فرانس يوزف هايدن، ونمت بذور الموسيقى الكلاسيكية التي أزهرت مع هايدن وموتسارت. ففقد جيل فيفالدي من عظماء الباروك المتأخر المبادرة.
انتهى المطاف بفيفالدي فقيراً مفلساً في فيينا التي توفي فيها غريباً وقد جاء اليها أملاً في شغل وظيفة مرموقة عند كارل السادس امبراطور النمسا.