طالب عبد العزيز
أخذنا عمر ، ابن مدينتنا، البصرة، والمقيم في اسطنبول، منذ سنوات -كان اسمه تهمة فغادر المدينة محتفظاً برقبته- الى ضاحية (اميننو) تحت الجسر، الذي لا تجتازه العبّارات،إنما تركبه السيارات الى الضفة الثانية. وفي مطعم، بين مطاعم وبارات لا تعدُّ ولا تحدُّ، أقيم بين الماء وسقف الجسر من الأسفل، تقدم صاحبته النبيذ بالسمك المقلي والعرق بالاطباق التركية الشهيرة، أجلسني، وما كنت لأسأل النادل عن الليل ومنقضاه ولاعن الطاولات ومنتهاها، فاصطفيت الممر الطويل سلماً ومشيت، مشيت، الشوراع في اسطنبول كلها للنساء والسراويل، التي يثقبها الخيّاطون من جهة الفخذ مرة، ومن البطن والمؤخرة مرتين وثلاثة، سألتُ عمرَ باباً الى البحر فدلني، وهناك أطلت الوقوف، كان ضيقاً( البحرُ) حتى انني قلت له : أنت، والله، اضيق من شط العرب في هذه، وماؤك، مالح، مرٌّ ، نعم وتعبرك الناس، لكن،ليس الى التنومة والعشار، انما لآسيا وأوروبا، لكنك نهر بحق ،نعم النهر، أنت ، فقد آنست ناسك، وأضات الليل للصيادين والسكارى، آمنتهم من قتل وآويتهم من مطر وبرد - تترك صاحبةالبار ملافع من الصوف، ملونة على المقاعد، هي لمن شاء ومنشاءات وجاءً عن برد- فلا تشغلني بالمفاضلة، ما أنا بمقارنك بأحدمن الجسور التي هناك.
في الليل، ضلّ السائق طريقاً، فقادني الى المتنزه، الذي نهايته عند البحر، كانت بغيتي امرأة، رأيتها مرة تسعى بين الحديقة والجسر، أو بين المسجد وما يجاوره والسوق. هناك، قلتُ: سأنتظرك ، ساعة تكون الموجة كاملة على الماء، فمنحتني من شعرها عطفة. مرّت الريح باردة، وأثلجت كأساً كنت شربتها، واهتزت شجرة كنت اتخذها مجلساً، لم تهدأ أغصانها، فطارت نوراس وعصافير كثيرة منها، ومن ثقوب كثيرة في رأسي وجدتني قائلاً: هذه بلاد يعيب عليك جارك إن لم تضع في شرفتك أصيص ورد، وتستقبح النساءُ فيها عليك صمتك عن جميل ما ارتدين من قميص وسراويل، ويشنّع عليك أهلها فعلك إنْ لم تأخذ روحك شيئاً من موسيقى ونبيذ.
لم يحتمل قتلة تارا فارس وقوف فراشة واحدة على كتفها،شنّعوا عليها عُطل فؤادها، إذ سقط نصيفُها عن صدر أبيض جميل،ذات يوم، أرادت فيه أن تحتفل بما في الجسد من فتوة وافتتان. من أعلى نقطة في الجسر الطويل صرختُ: هيييييه، ياانتم، يا قتلة تارا: تعالوا، انظروا، عاينوا التماسيح والصقوروالنسور والدينصورات التي على خصور ومؤخرات النساء في اسطنبول.
تعالوا وخذوا ما شئتم من الخصور والصدور والسيقان التي تحرسها الشرطة ويحميها القانون وتتلطف بها الأعين والقلوب،كل شوارع المدينة آمنة منكم يا كلاب.