TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل:البحث عن معنى الحياة وغايتها

قناديل:البحث عن معنى الحياة وغايتها

نشر في: 13 أكتوبر, 2018: 05:40 م

 لطفية الدليمي

(كل معنى كامن في الغاية ومشروط بوجودها ) : هذه هي العبارة الشهيرة التي صارت عنواناً بارزاً لعصر التنوير الأوروبي مثلما أمست ميداناً لمباحث فلسفية كثيرة شاءت أن تجعل موضوعة ( الغائية ) مقترنة بكمال الوجود الإنساني وجماله حتى على صعيد العلم الطبيعي ، وفي هذا الميدان شهدنا كيف تحولت الفلسفة الديكارتية إلى نمط إختزالي ميكانيكي يجعل الموجودات كلها ( بدءاً من الكائن البشري The Men of Letters painting وحتى الكون ) محكومة بقوانين ميكانيكية محددة تنقاد لنظرية نيوتن التي عُدّت المثال الأوضح لإقتران الغاية بالمعنى .
إنّ موضوعة غائية الحياة ( والوجود الإنساني بعامة ) وكونها مرتبطة بشرط توفرها على معنى للوجود هي موضوعة فلسفية - سايكولوجية - دينية مركّبة في المقام الأول وليس لها السبق أو لكونها ضرورة علمية وإن كان العلم وقوانينه ووسائله توظَّف بطريقة قسرية سيئة ( أغلب الأحيان ) في حمى الجدالات الفلسفية منذ عصر الفلسفة القروسطية ومروراً بعصر التنوير الأوروبي حتى يومنا هذا.
كل الأشياء موجودة من أجل غاية محددة جديرة بخلع معنى يتسم بالمهابة والجلال ويشي بالقدرة الخلاقة للصانع الأمهر، ومن الطبيعي أنّ اللاهوتيين ومُناصري الأنساق اللاهوتية كانوا أكثر الناس براغماتية ووقاحة عندما وظّفوا المبادئ الديكارتية من أجل تعزيز سطوتهم الدنيوية مسنودين بدعم الحكومات القروسطية لهم، وأبدى العلماء من جانبهم الميل ذاته إنما بعيداً عن النزوعات البراغماتية- النفعية بل بتأثير الصياغات الرياضياتية المحكمة التي جاءت بها الميكانيكا النيوتنية وصارت مسك ختام العلم الطبيعي وأيقونته العصية على الإندثار. ظلّ الأمر على هذا المنوال حتى بدايات القرن العشرين وظهور ميكانيكا الكم التي قلبت الأسس الفلسفية للعلم الفيزيائي ؛ لكن حتى في تلك الأوقات كتب بعض أكثر العلماء تأثيراً في زمانهم وهو ( السير جيمس جينز ) يقول : " صار واضحاً لدينا أن خالق الكون هو رياضياتي من الطراز الأول ".
لندقق مثلاً في مبدأ ( التصميم الذكي ) الذي يعدّ الحجة الأكبر لوجود غائية محكومة بسلسلة سببية حتمية بين الوقائع المادية منذ لحظة الخلق الأول حتى وقتنا هذا، وقد تلوّنت وسائل ( التصميم الذكي ) وحُجج العلماء الأعلام المدافعين عنه مع مجموع مريديهم، وكانت الحجة الأحدث بين حججهم الكثيرة هي ( التنغيم الدقيق ) - تلك الإشارة التي تعني أنّ الوجود الفيزيائي للكون والموجودات الحية فيه تعتمد على ثوابت كونية بالغة الصغر، وأنّ تلك الثوابت لو طالها تغيير صغير للغاية لما كانت الحياة ممكنة على وجه الأرض؛ بل لما كان ثمة إمكانية لوجود الكون أصلاً.
قد لايُبدي بعض المدافعين المتحمسين عن وجود معنى للحياة ولعاً بالتفاصيل الفلسفية والرياضياتية والفيزيائية ؛ لذا نراهم يحاججون بتلك الحجة اللاهوتية الأزلية : كيف يمكننا تصوّر العيش في عالم غير ذي غاية ولا معنى ؟ وهل ثمة إمكانية لوجود أخلاقيات في مثل هذا العالم ؟ هم يجادلون بهذه الطريقة لأنهم يريدون مكافأة لكلّ فعل خيّر يفعلونه ولايطيقون تصوّرعالم تنعدم فيه المكافأة المنتظرة من وجهة نظرهم .
يكمن معنى الحياة وغائيتها في عقولنا وأرواحنا حسب : قل كلمتك وافعل الخير، وابذل أقصى جهودك في فعل ماتحبّ وتهيم به شغفاً، ولاتنتظر مكافأة فورية أو مؤجّلة لكل فعل طيب تفعله، ولاتدنّس ضميرك الحي بصغائر الأفعال - هذا هو مايخلع معنى على الحياة ، وليس كل ماسواه إلا سفسطات مترسبة في دواخلنا بفعل سطوة اللاهوت أو الراحة الموهومة الناجمة عن ارتكاننا للقناعات الزائفة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: صيف المالكي

صمت!

العمود الثامن: تزوير ترامب !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

 علي حسين إنتظر المواطن العراقي أن يخرج عليه مسؤول يخبره عن الجهات التي سهّلت سرقة أموال الضرائب وأنتظرنا جميعا صابرين أن يصدر قرار قضائي بمصادرة اموال المتهمين والحكم عليهم باحكام شديدة ، إلا...

قناطر: حوارٌ غيرُ هادئ

طالب عبد العزيز في العام 2009 تسنى لنا، نحن طيف من مثقفي البصرة، زيارة المملكة العربية السعودية، وفي قاعة بمكتبة الملك عبد الله بن عبد العزيز، آنذاك، قيل لنا بأنَّ أكثر من سبعمائة وخمسين...
طالب عبد العزيز

مشاكل عدم المساواة في الشرق الأوسط

د. فالح الحمراني ظلت منطقة الشرق الأوسط لفترة طويلة، المنطقة التي تشهد أعلى مستوى من التفاوت الاجتماعي والاقتصادي في العالم. ففي عام 2016، بلغت حصة أغنى 10‌% من السكان في الدخل الوطني 61‌% (وبالنسبة...
د. فالح الحمراني

التصنيفات العالمية للجامعات.. دليل أم تضليل؟

محمد الربيعي في عالم يسوده هاجس التميز والمقارنة، تبرز التصنيفات الجامعية العالمية كبوصلة توجه الطلاب وأولياء الأمور في رحلة البحث عن أفضل مؤسسة تعليمية، وتساهم في تحديد السياسات التعليمية لبعض الدول، كما استخدمت نتائجها...
د. محمد الربيعي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram