ستار كاووش
مفاجئة صاعقة وردود أفعال يغلفها الذهول والغرابة حصلت لحظة إعلان مزاد سوثبي، بيع لوحة (فتاة مع بالون) للفنان البريطاني بانكسي، هذا الفنان غريب الأطوار والغامض والمليء بالمفاجآت التي لا تنتهي. اللوحة كانت معلقة على جدار المزاد، يحيط بها المهتمون وتجار الأعمال الفنية وجامعو التحف ووكلائهم، وفجأة، حين وصل المزاد الى نهايته وأعلن عن بيع اللوحة بمبلغ مليون دولار، ومع توقيت رفع مطرقة المزاد وضربها على الطاولة بالضبط، انفتح إطار اللوحة من الجهة السفلى لتهبط اللوحة الورقية وهي تمر بآلة تقطيع ورق وضعت بشكل سري في الضلع الأسفل للإطار، وبدأت اللوحة تهطل أكثر نحو الأسفل وهي تتقطع بسكاكين آلة تمزيق الورق ، وحين وصلت الى منتصفها تقريباً، توقف التقطيع، وبقي الجزء الأكبر من اللوحة متأرجحاً أسفل الإطار على شكل شرائط من الورق، والناس تتراجع وتتقدم في ذهول والكاميرات تقترب من العمل الفني لتصور ما حدث، وسط جلبة الحاضرين وارتباك مدير المزاد الذي مازال يمسك مطرقته بحيرة، وعيون الناس تتنقل بينه وبين اللوحة، تحرّك حراس المزاد بسرعة نحوها ورفعوها بحذر من الجدار وتحرزوا عليها داخل بناية المزاد. هذا الحدث الغريب والمريب والمفاجئ، شغل الأوساط الفنية والثقافية وتجار اللوحات
والمهتمين بالفن، هذا الاسبوع. لكن ماذا كان وراء ذلك بالضبط، كي يمضي الحدث بهذه الطريقة الدرامية؟ كيف تم توقيت ذلك ومن هو المسؤول عن تمزيق عمل فني ثمين بهذه الطريقة البشعة؟
تاريخ الفن لا يخلو من دعابات وألغاز وفذلكات، والشواهد كثيرة على ذلك، فقبل فترة كنت أقف وسط تيت غاليري في لندن أمام لوحة هانس هولباين (١٤٩٧-١٥٤٣) والتي رسم فيها دبلوماسيان فرنسيان في بريطانيا، رسمهما بتقنية مدهشة وفريدة، وهما يقفان بملابسهما الثمينة وتحيط بهما كل اكسسوارات القصر الثمينة، لكن هناك شيء
بينهما على الارضية شيء غريب يمتد الى العمق ويبدو مقحماً وهيئته الكبيرة غير ملائمة للمكان. لكن حيرتي قَلَّتْ حين رأيت بعض زائري المتحف يقفون بمحاذاة الجدار الذي عُلِّقَتْ عليه اللوحة وكأنهم يبحثون عن شيء بداخلها من خلال النظر من زاوية جانبية، انتابني الفضول ووقفت بجانب اللوحة لصق الجدار ونظرت إليها من جانب ضيق جداً، واذا بهذا الشكل الغريب يظهر على هيئة جمجمة رسمها الفنان بإتقان فريد لكنها لا تُرى إلّا عند النظر من جانب اللوحة، وقد اختلفت التفسيرات عن سبب قيامه بذلك. لكن الأكيد إنه بالاضافة لإثبات مهارته، أراد أن يرمز الى الموت هنا أو يشير الى مصير أحد الشخصيات. وقد سبق بتقنيته هذه، رسامي الشوارع بخمسة قرون.
كذلك من الخدع الفنية التي حدثت في تاريخ الفن، ما قام به الألماني جوزيف بويز (١٩٢١-١٩٨٦) حين نفَّذَ الكثير من أعماله بمادة اللباد والشمع، لأن هاتين المادتين ترتبطان معه، حسب قوله، بعاطفة خاصة تتعلق بحياته، فهو كان طياراً أثناء الحرب العالمية الثانية، وسقطت طائرته في جزيرة القرم، وقد انقذته قبائل التتار هناك، حسب روايته، ولفوه بمادتي الشمع واللباد لانقاذ حياته، لكن اتضح فيما بعد إنها واحدة من حكاياته التي اخترعها للفت الانتباه للمواد التي يستخدمها في أعماله!
نعود للفنان بانكسي ولوحة المزاد، فهو قد نشر بعد الحادثة مباشرة فيديو، يبين فيه كيف وضع آلة تقطيع الورق داخل مكان سري في الجزء الاسفل لاطار اللوحة، يعمل بجهاز صغير للتحكم عن بعد، وبذلك أراد من خلال ألاعيبه التي عُرِفَ بها أن يقول إن عمله عبارة عن ورقة عادية يمكن تمزيقها بسرعة، وهي لا تساوي مليون دولار. لكن الغريب من فعلته هذه، أن شهرته قد إزدادت، كذلك فإن هذه اللوحة التي شاهدها كل العالم، ربما سيرتفع ثمنها كثيراً بعد هذا الحدث.
لكن الأغرب في كل حكاية هذا الفنان، انه مجهول الهوية، لا يعرفه أحد وليست له صورة. الشيء الوحيد المعروف عنه هو إنه رسام كرافيتي مشهور واسمه بانكسي... وهو أسم مستعار أيضاً!