adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
هذه إشارة طيّبة من رئيس الحكومة المكلّف تبشّر بأنَّ ثمّة تغييراً يمكن أن يأتينا أخيراً بعدما بدا للكثيرين منّا أنها ضاقت واستحكمت حلقاتها، وأنه ما مِن ضوء في نهاية هذا النفق الممتدّ منذ 2003 حتى اليوم.
الرئيس المكلّف عادل عبد المهدي باشر عمله التحضيري لحكومته المرتقبة من مكتب خارج المنطقة الخضراء، في منطقة علاوي الحلة الشعبية، وفي الأثناء أعلن أنه يرغب في إعادة فتح المنطقة الخضراء أمام العامّة، وهي المنطقة التي ختلت فيها الطبقة السياسية المتنفّذة هرباً من مواجهة الناس وتخلّصاً من عدم ودّيتهم حيالها بسبب فشلها المتواصل والمتفاقم في إدارة الدولة والمجتمع.
عمل رئيس الحكومة وطاقم موظفي ديوانه خارج المنطقة المحصّنة وهدم"جدار برلين البغدادي"، عدا عن أنهما يبعثان برسالة الى المجتمع بأنّ الحكومة ستكون من الآن فصاعدا قريبة منه، فإنهما يشيعان في الأنفس الشعور بأننا قد تجاوزنا المرحلة الأخطر، وهي المرحلة التي كانت فيها عاصمتنا رهينة للإرهاب والإرهابيين.
على أهمية هذا، فإنه يمكن أن يبقى مجرّد"حركة"شكليّة لا قيمة كبيرة لها ما لم تُتّبع بالإجراءات المتمّمة اللازمة، ومنها في المقام الأول إخراج النواب والوزراء ومَنْ هم على شاكلتهم من سكّانها. النواب والوزراء ووكلاؤهم ومساعدوهم يتعيّن أن يعيشوا بين الناس كما هي حال نظرائهم في بلدان العالم الأخرى قاطبة، بل كما هي حال أسلافهم في هذي البلاد في العهود السابقة.
النواب والوزراء وسواهم من أفراد الطبقة السياسية المتنفذة إذا كانوا يبرّرون تهافتهم على المنطقة الخضراء وتمسّكهم بالعيش فيها بالخشية على حيواتهم إنْ هم توطّنوا بين عامة الناس، فكان الأولى بهم ألّا يترشّحوا في الانتخابات ليصيروا نواباً، ولا أن يقبلوا بالتكليف وزراءً ووكلاءً وما إليهم. أعضاء البرلمان بالذات لا يتعيّن أن يكونوا في عزلة عن ناخبيهم الذين يحقّ لهم الالتقاء بنوابهم ومراجعتهم في شؤونهم وقت حاجتهم إلى ذلك (ثمة بعض النواب من سكان الخضراء لم يزوروا مناطقهم ومحافظاتهم سنوات عدة). ليس بالسويّ ولا بالصحيح ولا بالسليم الإبقاء على هذه القطيعة بين الناس وممثليهم في البرلمان.
ليس مقبولاً أن يتحجّج النواب والوزراء وسواهم بالوضع الأمني ليبقوا في عزلة تامة عن الناس. إذا كانت الدولة قد فشلت في تحقيق الأمن والاستقرار فإنّ النواب والوزراء من مختلف الدورات يتحمّلون هم قبل غيرهم المسؤولية عن ذلك.. الدولة لم تفشل من تلقاء ذاتها، إنّما بسبب فشل الوزراء والنواب مجتمعين في بناء دولة قوية قادرة على توفير الأمن لمواطنيها جميعاً. الدولة التي لا تستطيع ضمان أمن وزرائها ونوابها ليست جديرة إلا بقراءة الفاتحة على روحها.