أربيل / المدى
تصوير محمود روؤف
يقودنا اسم مدينة بابل الى مديات بعيدة ويصحبنا الى حقب تأريخية كانت فيه عاصمة الدنيا ومهد الحضارة ، لكن الجلسة التي ضيفتها أمسية ثقافية ضمن فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب حملت عنواناً مثيراً للجدل هو (أن تعيش في بابل ) وكأن العيش بحرية في هذه المدينة اصبح شبه مستحيل في ظل هيمنة أحزاب الإسلام السياسي ودورها في تغيير الحياة التي عرفت عن المحافظة لاسيما مركزها الحلة الذي كان موطنا للكثير من القامات الثقافية التنويرية .الجلسة التي أدارها القاص (حسين رشيد) تحدث في مقدمتها عن واقع حال المدينة اليوم وما يعانيه من إشكاليات تؤثر على حياة المواطنين ليطرح تساؤلاً أول على ضيفه رئيس اتحاد الادباء والكتّاب في العراق الناقد والباحث (ناجح المعموري) كيف يرى الحلة ؟
حيث ذكر المعموري: ان الحديث عن الحاضر يقودنا للحديث عن الماضي القريب حيث امتد واقع الحلة من وجود شبكة كبيرة من المتدينين المتنوريين لعبت دورا كبيرا في مناطق الفرات الاوسط ومنها مدينة الحلة , تبلورت افكار هذه الشبكة لتترك لنا مجموعة من المخطوطات اسهمت في تطوير المجتمع حيث ارتبطت هذه الشبكة مع عصر النهضة الفكرية في العالم العربي مع بزوغ فجر المفكرين مثل (رفاعة رافع الطهطاوي) وقد التحقت هذه الاسماء بالحوزة العلمية في النجف وماتزال جزءاً من موروث المدينة أمثال الشيخ (الماشطة) سكرتير مجلس السلم والتضامن العالمي وغيره الكثير ممن أثّروا على واقع الحلة.
وبشأن أين ذهب هذا الإرث الاجتماعي للمدينة قال المعموري: الآن الناس تقول عن الثقافة أنها حراك صدامي لكن نتائج الفعل الثقافي ليست آنية بل تحتاج الى تراكم كما حصل في مدن الجنوب ومنها البصرة وهي تتجه لتكوين الحلقات الخاصة بالمجتمع لتحين اللحظة المناسبة ويتحرك هذا السكون. موضحا: ان التأهيل والإعداد وتمركز الحركة الدينية الحالية حوّلها اي الثقافة الى جانب شخصي فهناك مجالس ثقافية تنويرية في المدينة مع وجود منظمات ثقافية أخرى. لافتاً الى وجود حراك ثقافي متعدد ومتنوع متمثل بالصالونات الثقافية والمقاهي الادبية التي اخذت حيزا واسعا من حاضر المدينة اليوم.
وفي ما يخص مدى إمكانية ان يمارس أبناء الحلة الحريات الخاصة ذكر المعموري: لايمكن ان تجزّأ الحريات الخاصة ، فالدستور هو الضابط لإيقاع الحياة في البلاد فكما بغداد تكون الحلة كما هناك بعض الحرية في بابل لكن حتما ليست بالمستوى الذي يراد ومع ذلك هناك حراك مدني يجري ليس في المدن الكبرى فحسب بل حتى في القرى البعيدة وكل هذا يقع ضمن الحريات الخاصة. مشيراً الى تجربة افتتاح مول في الحلة وكيف تحول الى مركز إشعاع وممارسة الحياة المدنية من خلال تواجد كل الشرائح والفئات العمرية والاختلاط لافتاً الى العروض السينمائية التي تشاهد من قبل العوائل.
وفي معرض إجابته عن سؤال مدير الجلسة حول تحويل الحلة الى مدينة دينية بيّن رئيس اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين: بعد افتتاح مول الحلة الذي اصبح احد المراكز التنويرية في المدينة كانت هناك العديد من المرافق الثقافية داخل هذه المجمّع حيث ضم مسرحا وسينما وكل هذا أعطى جانباً من الحياة المدنية للحلة . مبيناً: كما تم افتتاح العديد من المقاهي المختلطة داخل المدينة تجري فيها أصبوحات وأمسيات ثقافية وهذا بحدّ ذاته نجاح ثقافي كبير وهناك مواكبة للحياة وأنا مطمئن بأن الحالة العامة في المدينة جيدة.
س/ لكن مثل هكذا حراك يحتاج لبنى تحتية وخدمات موازية : المول الموجود في الحلة أصبح قاعدة تحتية عريضة للحراك الثقافي وكانت لأول مرة توضع قربه صور لأبرز شخصيات الحراك التنويري في المدينة وهناك مرافق حضارية في المول يمكن الاعتماد عليها.
لكنّ أستاذ ناجح مع كل ماوصفتَ وتفضلت به مايزال الحجاب يهيمن على جامعة بابل ! . بالرغم من وجود هذه الظاهرة إلا ان الطالبة الجامعية تقوم بخلع حجابها حال الانتهاء من دوامها في الجامعة وهذا خير دليل على رفضها لفكرة الحاجب ، ومايؤسف له ان يكون الحرم الجامعي مكانا تهيمن عليه أحزاب السلطة الدينية.
المداخلات والأسئلة
الناقد ياسين النصير اشار في مداخلته الى المدن السماوية والمدن الارضية ، الى ان بابل من المدن السماوية .
ج/ المعموري: ان جميع المدن العراقية موزعة مابين ماهو سماوي وماهو ارضي فبابل شهدت وجود الإله امروي الذي نزح من سوريا الى بابل ، أتصور ان السماوي والارضي لايمكن فك الارتباط بينهما ومع وجود شبكة من رجال الدين استطاعت الحلة من خلق رؤية حضارية خاصة بها.
د غادة العاملي هل تعتقدون ان الحركات الثقافية في المدينة تعد حالة مؤقتة ممكن ان تزول مع أول ردة فعل للسلطة التي لا تريدها ، فلو فرضنا أن المول تعرض لتهديد أين ستحطّ هذه الحركة رحالها؟
المعموري: ممكن ان تتعطل او تستمر تلك الحركات الثقافية في المدينة لكن ما أراه أنها استطاعت من مقاومة القرارات المجحفة ، أنا أعتقد ان الحركات الثقافية استطاعت تعطيل الكثير من القوانين التي حاولت الحكومات الحلية فرضها ، ومن يعطي ضمان لاستمرارية تلك الحركات هو دور النخب الفاعلة في المدينة .
الصحفي آشتي أحمد: ماذا يكره ناجح المعموري في الحلة ؟
المعموري: إنّ حبل السرة مايزال معلقا في بابل ولا أعرف شيئاً عن الكره إطلاقا.
د أحمد الظفيري: هل تعتقد ان دور الثقافة في بابل منحسر على الطبقة البرجوازية وان اليسار أخذ يلاحق هذه الطبقة؟
المعموري: إن الحضور اليوم هو لكمّ الظلمة داخل المدينة لكن مع ذلك فإن الحركة اليسارية هي من تقود الحراك الثقافي داخل المدينة , نحن في اتحاد الادباء دائما ما نتعرض للاعتداء ورغم ذلك لم تتعطل الثقافة بل الفعل الثقافي مستمر ، الحراك الثقافي بدأ منذ سقوط النظام لكنه يتوقف على الامكانات الخاصة بالحركة الثقافية.
الكاتب زيدان خلف: هل ترى ان بقاء الشواخص الحضارية لبابل تحت التراب أفضل من إخراجها الى الاعلى كما في بوابة بابل وأين وصل ملف ادراج بابل على لائحة التراث العالمي في اليونسكو؟
المعموري:موضوع بوابة عشتار البابلية ما اكده الباحثون ان البوابة الاصلية ماتزال تحت الارض ولم يتم اكتشافها بعد بسبب المياه الجوفية، وبشأن الانضمام لليونسكو حسبما اخبرني وزير الثقافة والصديق مدير دائرة العلاقات العامة ان الملف وصل لمراحل متقدمة.
س: هل وصل الامر بنا الى ان الحلم على إقامة مقاهٍ مختلطة بين الرجال والنساء؟
المعموري: هذه الخطوة مقدمة لخطوات جديدة تسير نحو الإصلاح الثقافي والمدني؟