ثائر صالح

عنوان مثير، فما العلاقة بين الموسيقى والكيمياء؟ لا شيء ظاهر ومباشر. بيد أنني إن قلت بورودين، فسوف تظهر هذه العلاقة الغامضة بين الموسيقى والكيمياء إلى العلن. الموسيقار الجورجي - الروسي الكساندر بورودين (1833-1887) كان عالماً كيمياوياً قبل أن يكون موسيقياً مبدعاً، ينسب إليه الكثير من الاكتشافات العلمية في حقل الكيمياء العضوية. وفي الحقيقة عمل بورودين باحثاً في الكيمياء واستاذاً جامعياً طوال حياته، وكان ينشط في التأليف الموسيقي والعزف في أوقات فراغه النادرة. وكان من أوائل المدافعين عن تعليم المرأة الجامعي في حقل الطب.
بورودين أحد أعضاء جماعة الخمسة، وهم أشهر خمسة موسيقيين روس في القرن التاسع عشر، إلى جانب تشايكوفسكي. جماعة الخمسة هم ميلي بالاكيريف (1837 – 1910)، مودست موسورسكي (1839 –1881)، نيكولاي ريمسكي- كورساكوف (1844 – 1908)، سيزار كوي (1835 –1918) وبورودين نفسه. وتكمن أهمية هذه الجماعة في كونها تمثل التيار القومي في الموسيقى الروسية، لا بل هم من صنعوه. وجاء احتلال روسيا القيصرية لإمارات آسيا الوسطى والقفقاس الإسلامية خلال العقد السابع من القرن التاسع عشر بمثابة حافز جديد لتعزيز الروح القومية الروسية. فألف الموسيقيون أعمالاً استوحت أفكارها وألحانها من الشرق الذي احتلته روسيا، وأصبح ذلك يعرف بالتيار الشرقي في الموسيقى. من بين أهم هذه الأعمال متتابعة شهرزاد من تأليف ريمسكي-كورساكوف والفنتازيا الشرقية لبالاكيريف المعروفة باسم إسلامي، وكذلك اوبرا بورودين الأمير إيغور.
ولد بورودين في سانكت بيترسبورغ (وهي بتروغراد، ثم لينيغراد أثناء الفترة السوفيتية) من علاقة غير شرعية بين نبيل من جورجيا وفتاة روسية، وحصل على تعليم ممتاز في طفولته حيث تعلم العزف على البيانو والتشيلو والفلوت والأوبو. درس في أكاديمية الطب والجراحة ثم درس وعمل في أوروبا الغربية لثلاث سنوات قبل ان يعين استاذاً للكيمياء في الأكاديمية سنة 1862. في تلك السنة يلتقي بالاكيريف وموسورسكي اللذان شجعاه على التأليف الموسيقي. فألف بورودين ثلاث سيمفونيات وأوبرا شهيرة هي الأمير إيغور التي تعتبر من بين أهم الأوبرات الروسية في القرن التاسع عشر. الا أن الأشهر من بين كل أعماله هو قصيدته السيمفونية في سهوب آسيا الوسطى. أثر اسلوبه المتميز والجريء في فن الهارموني على الموسيقيين "الانطباعيين" الفرنسيين مثل كلود ديبوسي وموريس رافيل. وقد وضعت كلمة الانطباعيين بين قويسات لأنهم، على الخصوص ديبوسي، كانوا يرفضون وسمهم بهذه الصفة.
اشتهرت قصيدته السيمفونية في سهوب آسيا الوسطى في أوروبا الغربية كذلك بفضل تقديمها من قبل الموسيقار فرانس ليست. يتميز العمل بوجود عالمين، روسي وشرقي، وهو يصور مسير قافلة من المشارقة (القفقاسيين أو أواسط-آسيويين) تحرسها القوات الروسية. يبدأ العمل باللحن الروسي، ويتلوه اللحن المشرقي، ويتمازجان. نسمع كذلك لحناً ثالثاً يصور مسير القافلة وصوت أخفاف الجمال وحوافر الدواب بالنقر على الأوتار (بتسيكاتو). وينتهي العمل باللحن الروسي.