اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: فارس الريح

باليت المدى: فارس الريح

نشر في: 20 أكتوبر, 2018: 07:29 م

 ستار كاووش

ربما بسبب الشخصيات التي أرسمها وأتماهى معها، أتخيل نفسي غالباً كمخرج مسرحي لديه مجموعة من الممثلين، يحركهم في هذه الزاوية أو تلك المساحة من خشبة المسرح. ومرد ذلك هو أن قطعة الكانفاس التي أرسم عليها هـؤلاء العشاق والمحبين تشبه الى حد بعيد منصة مسرح، بما يحتويه من ممثلين وإضاءة، وكل ما يضمُّهُ من مؤثرات وحكايات مليئة بالخيال، وتفاصيل يرويها للناس بطريقة ساحرة. لذلك أحب المسرح كثيراً، وأحاول أن أتابع قدر المستطاع، العروض التي تضيف لي شيئاً من السحر والعاطفة والخيال. وهذا الأسبوع كانت حظوظي كبيرة، بحصولي على تذكرة عرض مسرحي نادر وباهر الجمال. فبعد انتظار طويل للمسرحية الهولندية (فارس الريح) تم تحديد أوقات العرض، ليتسارع الناس كالبرق لحجز بطاقاتهم، حتى نفدت التذاكر بوقت قياسي لكل أيام العرض، لكني في النهاية استطعت أن أجد لي مكاناً في آخر يوم للعرض الذي أُقيمَ في مدينة ليواردن شمال هولندا، وعلى مسرح بُنِيَ خصيصاً لذلك، وكان شبيهاً الى حد بعيد بالمسرح الروماني، حيث إستوعبَ خمسة آلاف شخص لكل عرض.
اعتمد المخرج (يوس تَي) على قصة للكاتب الألماني (تيودور ستورم)، ليبني عليها عالمه الذي إستمر ثلاث ساعات امتزج فيها المسرح والموسيقى والغناء والرقص والأزياء وعروض الخيول ورقصاتها الأسطورية، في عرض باهر واستثنائي عن صراع الإنسان مع ماءالبحر الذي يهدده على مرِّ العصور.
يظهر فارس الريح (الممثل يلي دي يونغ) ليواجه فيضان البحر وعواصفه الهائجة، ويلتف حوله مجموعة كبيرة من الممثلين والحيوانات مع مؤثرات لا تخطر على بال أحد، حيث ساهم في العرض ستون ممثلاً وممثلة، إضافة الى مئة حصان من الخيول الفريزية النادرةومجموعة كبيرة من الأوز الابيض والماشية وعدد من النسور وطائري نورس، ومئات من الأزياء التاريخية، وكنيسة كاملة بُنيت خصيصاً في مكان العرض، كذلك مجموعة من البيوت، والعربات التي تعود لطراز القرن السابع عشر، إضافة الى كميات هائلة من الرمال التي استقرت في كل مكان من المسرح، وبناء سد كبير في الخلفية، وليس إنتهاءً بالمياه التي فاجأتنا وهي تتدفق نحوالمسرح وتبلل الممثلين والصالة، ويصل رذاذها إلينا نحن الجمهور، بل وحتى عواصف البحر رأيتها وتحسستها في العرض وهي تتغلغل وتتحرك فوق رؤوس الجمهور أمامي حتى ارتطمت بوجهي وحركت شعري بقوة! هنا تحسستُ وشاهدت بأم عيني،طغيان البحر وقوة الإنسان وجمال الفن.
لقد لعبت الخيول الفريزية هنا، دوراً مدهشاً في خلق التوازن، وتقديم العرض بفنية عالية ومتعة تداعب الروح والمخيلة، هذه الخيول التي امتلكت مكانة خاصة بفضل مظهرها الملكي المتفاخر وبناء أجسادها المتناغمة وشخصيتها الودودة وقوتها الكبيرة، يضاف الى ذلك لونها الاسود اللامع الذي يضيف الى شخصيتها الكثير من الغموض، فكان العرض بشكل أو آخر، عبارة عن قصيدة ملحميةعن سلالة هذه الخيول التي أُختيرت سنة ١٩١٦ أجمل خيول في العالم.
يبقى الصراع مع الماء قديماً قدم الإنسان نفسه، والهولنديون يعتبرون بحكم موقعهم الجغرافي(تحت مستوى سطح البحر) خبراءومتمرسين في المواجهة مع البحر وايجاد الحلول لطغيانه، بإنشاء السدود وإقامة الحواجز والدفاعات، لذلك فحكاية هذا العمل تصلح لكل وقت، والمخرج إستثمر ذلك وقدمها بطريقة تمتزج فيها المعاصرة مع التاريخ، محاولاً الإشارة أيضاً الى عملية إدارة المياه التي تشكل أزمة في عالم اليوم، وأن مشاكل الماء في الماضي مرتبطة بالمستقبل من خلال الحاضر.
لقد ساعدت الخيول الإنسان في الماضي ولعبت دوراً كبيراً في بناء السدود، وتحت أشد الظروف قسوة، لذلك كان لها دور رئيس في هذا العرض التاريخي الذي لا يتكرر. والأمر لا ينطبق عليها فقط، بل على الممثلين أيضاً، هؤلاء الذين أعادونا الى أجواء القرن السابع عشر، بأزياءهم وقبعاتهم وإيماءاتهم التي امتزجت مع الغناء والرقص على أرضية المسرح أو فوق أكتاف بعضهم أو على ظهور الخيول.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram