ياسين طه حافظ
استاذ صديق قصدَ السؤال عن مطولاتي الشعرية التسع لأنه معني بكتابة بحث في هذا الموضوع . رأيتها مناسبة لأقول كلمة في القصائد الطويلة، لا عما كتبت أنا، فذلك شأن خاص ولكن عن موضوعة المطولات الشعرية وأن كان العصر ما يزال بحاجة لهذه القصائد أو إنه لا يحتاج لها لضيق الوقت كما يرى متعجل في حكمه.
ملحق التايمز الأدبي سنة 1960 – 1965 ذكر مرةً إن القصيدة الطويلة ما تزال تسكن العصر The long poem haunts the age وذكر جملة قصائد طوال كلها صدرت بعد الأرض اليباب و قبل اكتمال الأناشيد لأزرا باوند. ومن هذه القصائد: في ذكرى جيمس جويس لـ ايوكو ماكدريامند و الأناثيماتا "الحرمان" the anathemata لـ ديفيد جونس و"باترسن" لـ وليمز كارولز وليمز وسواها.
لسنا في باب المقارنة و لا التقويم ولكننا أردنا التروي قبل الحكم والتواضع المريح قبل الحسم من أعلى. فأي حكم بصلاح أو بطلان ما لا نحب أو لا نميل إليه يحتاج لأن نكون أكثر هدوءاً والى شيء من الحكمة لنترك فرصة أوسع للصواب.
في 1966 أصدرت بنجوين، من تحرير ديفيد رايت David Wright ، كتاباً بعنوان قصائد طويلة Long Poems ضم تسع قصائد. الكتاب في مكتبتي ويمكن أن أدرج القصائد ليكون القارئ على بينة، كما إن في ذكرها فوائد أخرى.
ها هي القصائد:
1. رسالة الى بايرون لـ أودن
2. صيد الليل Nigthfishing
3. الجوع الكبير لـ بارتك كافانا
4. مسافر في الزمان لـ اندرو يونج
5. جاكسن الطيب و الملاك لـ جورج باركر
6. على الساحل العالي لـ مارك ديارمند
7. المياه العذبة the sheer waters لـ بيتر ليفي
8. تايتانك لـ انتوني كرامن
9. بالاد ميري لويد Ballad of the Marilwyd لـ فرنون واتكنس
هذه بعض المطولات التي صدرت بعد الأرض اليباب أو الخراب. أما ما قبلها فالسجل يطول من مقدمة وردزورث الى رعويات الملك لـ تينسون الى مدينة الليلة المرعبة و قصيدة التلميذ الغجري و ثيريسيس Thyrsis لماثيوآرنولد...
والملاحظ على تعدد القصائد وشعرائها إنها تتناول موضوعات خارج الانماط المكررة مثل قصائد الحب والقضايا السياسية. هؤلاء الشعراء عملوا في المدى الشعري الذي يحتفظ بقيمة القصيدة.
كما هو واضح الآن لا صحة للقول بأن العصر لم يعد يساعد على الأعمال الشعرية الطويلة. فرط الحماسة أو الهوس يأخذنا أحياناً الى الخطأ أو الى ما هو مستنكر. صحيح الزمن مزدحم والإنسان مثقل بما يستنزفه ولكننا لا نعدم أعمالاً كبيرة لا في الرواية ولا في الشعر. قصائد طويلة متعددة بنمط حديث جداً صدرت في كتب ولديّ واحدة كتبت كما الرواية العلمية، في أجواء الكواكب والفضاء الخارجي. هي ملحمة قاربت المئتي صفحة. ولو لم يكن لدينا وقت لما قرأنا رواية طويلة ولما شاهدنا مسلسلات واستمعنا الى محاضرات ونقاشات ولما كان لبعضنا الوقت الكافي للكلام في الأدب ليل نهار، في العمل وفي الجلسات الخاصة وفي المراسلات وحتى في مجالس الفاتحة! إذاً، ليس الوقت هو السبب، قد يكون أحد الأسباب. السبب الأهم أو الحقيقي هو افتقاد المهارة والنفس الملحمي. القصائد القصار سهلة البدء والمنتهى ولها موضوعها المحدد، لا تلك البانورامية الواسعة متعددة الأصوات والأجواء. هل أقارن القصة القصيرة بالرواية ؟ نعم، لحد ما.
هو حق شخصي أن نفضل نمطاً كتابياً على آخر. ثمة أفضليات دائماً. لكن الكلام العاطفي عن أمر غير الكلام العلمي عنه وفي أي موضوع من الموضوعات. أود القول إن اسلوب التعبير ونمطه والشكل، مجموعةً، مسألة شخصية قبل أن تكون قانوناً. ومثلما الأساليب والأشكال نتاجات فردية اساساً، هي أيضاً محصلة حياة اجتماعية وتطور ثقافة وتقنية. العلم مطلوب في أية مسألة نكتب فيها قبل أن نطلق أحكاماً. ومن هذه الأحكام التي لا نرضاها، إن شعراء العمود، مثلاً، سخروا من شعر التفعيلة وأولاء تحفظوا أو لم يقتنعوا بقصيدة النثر وأولاء يتحدثون اليوم بشبه ازدراء عن بعضهم وعما سبق. هذا مما لا يتقبله العلم ولا حقائق الحياة. كل تلك "المدارس" حلقات مترابطة ترسم النتاج الانساني في هذا الحقل وتُحتَرم كلها. ولكل منها احكامه النقدية وتقويم هذه المدارس يكون ضمن مرحلتها وخصوصيتها. العمود مدرسة نتحدث عنه بمصطلحه واعتباراته وسوى العمود كذلك. لا يرتضي أحد بمسح ما سبق. فمن قال إن الأشكال التعبيرية توقفت؟ ستستمر وجديد قادم وأسماء قادمة في الشعر وفي الرواية وفي الرسم، كما في أي صناعة وفن. هي ليست رغبتنا، هو قانون الحياة وتطورها ومن لا يفرحه تطور الحياة و تقدم الفنون؟
بقية لي ملاحظة، لا أدري إن كانت تصلح خاتمة للكلام، لكنها ليست نشازاً في كل حال ولا تخلو من لطف تلك هي :
وأنا أشاهد كرة القدم، ألاحظ أن أضعف اللاعبين أكثرهم كلاماً وإشارات!