طالب عبد العزيز
لا أحد يعلم الى أين تؤشر بوصلة التردي والخراب في البصرة، ومن يعتقد بان ما يحدث هو محض جهل وفشل إداري، سيقع في وهم كبير، إذ أن كل شيء يجري لمخطط محتواه العام الخراب والذهاب الى المجهول. تقول الأخبار بان أرض معرض البصرة الدولي، المقامة على أرض ميناء المعقل، الميناء الأمّ، والذي بني قبل 95 سنة، طرحت كمشروع استثماري، وان وزارة النقل أعلمت إدارة المعرض باخلاء الأرض وتسليمها من الشواغل الى المستثمر الجديد، ليقام عليها ما لا أحد يعلمه، في واحدة من أغرب قصص الخراب العراقي الجديد.
من يتتبع مسار التخريب في المدينة، سيجد أن معظم المشاريع الاستثمارية التي أقيمت في البصرة، والتي خطط لإقامتها كانت فاشلة وعادت بالسوء على الواقع الخدمي والاقتصادي، ولا أعتقد بان مشروعاً واحداً خُطط له بالشكل الصحيح وجاء بالنفع العام، ولنأخذ مثالاً على ذلك فقد بيعت حديقة الأمة، التي على كورنيش شط العرب، هذه المعلم الذي يشكل جزءاً من ذاكرة البصرة الى أحد المستثمرين ليكون فندقاً، في تشويه متعمد واضح لطمس المعلم الجميل هذا، لكن العمل في الفندق متوقف منذ سنوات، وهكذا ظل الهيكل الاسمنتي قائماً في أقبح صورة، جائماً على صدر أجمل بقعة هناك.
بيعُ أو طرحُ أراضي الدولة في المناطق الحيوية للاستثمار يجب أن يتم على وفق خطط وستراتيجيات، من شأنها الارتقاء بحياة المواطن، قبل كل شيء، لأنه الهدف الأول والأخير للدولة، أيّ دولة في العالم، أما أن تُنتزع منه حقوقه ويعبث بها بحسب أهواء شخصية، لوزير أو مدير عام أو جهة نافذة، فهذا ما لا يقبله العقل ولا ترتضيه النواميس. يتحدث سكان البصرة وموظفو ميناء المعقل عن طرح ضفة شط العرب الغربية من منقطة سايلو الحبوب الى ميناء المعقل وحتى جسر خالد كمشاريع استثمارية محلية، دونما تفكير بامكانية إعادة الحياة الى الميناء الأمّ، الذي كان حاضنة لأول نشاط اقتصادي بصري. وهنا يحق للبصريين أن يسألوا: ياترى لماذا أقمتم الجسر الايطالي على ارتفاع 40 مترّاّ وبالكلفة العالية، إذا كنتم ستغلقون الميناء وتبيعونه؟ لمصلحة من تخرب الأمكنة التي كانت واحدة من معالم البصرة الاقتصادية والترفيهية؟ ألم يكن بالامكان انتشال مئات الغوراق البحرية، وإعادة سير الحفارات في مجرى شط العرب، لنرجع بالمدينة الى سابق عهدها، قبلة الدنيا وواحة للجمال ؟
وإمعاناً في التخريب، فقد سبق لدائرة الاستثمار في المحافظة أنْ أعطت متنزه الخورة، الكائن وسط المدينة الى مجموعة مستثمرين، لتتحول أكبر رقعة خضراء، كانت ملاذ البصريين من الحر والضيق الى (مول) ومجموعة متاجر، لن تصبَّ في مصلحة المواطن، صاحب الحق الأول في قطعة الارض هذه، إذ، ما انتفاع المسكين هذا من مشروع تجاري خاص، غير مساهم فيه. ومثل هذه وتلك، فقد اختفت جزيرة السندباد وفندق شط العرب والمطار وتوزع المحوسمون على أراضي الاكاديمية البحرية والمناطق المحيطة هنا وهناك، ولا أحد يعلم مصير قيادة القوة البحرية ... حتى باتت أجمل بقعة سكنية واقتصادية وتجارية في العراق والبصرة خربة لا أقبح منها. وستنغلق جهة الشط لصالح المستثمرين ولسان حال الحكومة عن المواطن والمدينة يقول (يطبّهم مرض) يا ترى:ماذا سنقول لأول مدير عام في مصلحة الموانئ ، الزعيم مزهر الشاوي، البغدادي المولد، أزاء ما يفعله مديرو الحقبة الرثة بالمدينة، من البصريين وغيرهم؟