سامي عبد الحميد
يستخدم مصطلح (الفاشية) هنا لتغطية الحركات القومية المتطرّفة والمضادة للحركات المتحررة في القرن العشرين، تلك الحركات التي ساهمت بتأسيس الانظمة الدكتاتورية والتي نقلت أيديولوجيتها بواسطة العرض المسرحي. هذا ما حدث على نطاق واسع في إيطاليا وألمانيا ولحد ما في إسبانيا وفرنسا.
عندما خطف (موسوليني) السلطة في إيطاليا عام 1922 لم يتدخل بقوة في العمل المسرحي الذي كان تجارياً في التوجه وملتزماً بنظام (الممثل – المنّظم) حتى الثلاثينيات مقدماً تسليات كما كانت في الحقب الزمنية السابقة. في عام 1930 أسس (موسوليني) (جمعية الاستعراضات) معلناً عن قانون جديد للرقابة وذلك عام 1931 وفي عام 1935 أسس (مفشية المسرح والموسيقى) في وزارة الصحافة والدعاية وتحوّلت بعد ذلك إلى وزارة الثقافة الشعبية ومع قيام موظفي موسوليني بإعادة تنظيم المسرح الايطالي ومؤلفيه ومخرجيه وممثليه فقد استمروا في انتاج عروض لا تحمل إلا القليل من علامات الموضوعات السياسية. كان تدخّل الدولة أكثر نجاحاً خارج دور المسارح التقليدية وفي عام 1929 تم تأسيس فرق مسرحية جوّالة وكان لها جمهورها من غير ذلك الذي يرتاد البنايات المسرحية ولعدم اهتمام تلك الفرق بالدراما الفاشية فقد كانت معظم مسرحياتها كوميدية. وبالمثل فقد تم افتتاح مسارح في الهواء انطلق تستوعب الجماهير وتحفزها ، عام 1938 في روما وفي مدن ايطالية أخرى هيمنت الاديرا على برامجها.
وكانت الحالة في المانيا التي حكمها الحزب القومي الاشتراكي مختلفة عن ما حدث في ايطاليا وعندما صعد (هتلر) إلى السلطة أمر باعادة تنظيم جميع المؤسسات الثقافية وأسس وزارة الرايخ لتنوير الناس والدعاية للنظام من 13 مارس عام 1933. وكان قانون مسرح الرايخ 1934 قد دلَّ على وجود نظام رقابي من ضمن جميع الأنشطة الثقافية التي تكون خاضعة للفحص وجميع الفنانين خاضعون للمراقبة. وكانت نتيجة ذلك هجرة عدد كبير فناني المسرح (حوالي أربعة آلاف) الى خارج المانيا رغم نجاح السلطة الجديدة بتحقيق السيطرة الكاملة على شخوص وبرامج 291 مسرحاً إلا أنها لم تنجح في ايجاد وسائل لايجاد دراما مرغوبة من قبل سلطة الرايخ الثالث. وفي النصف الثاني من الثلاثينيات برز عدد من المؤلفين الذين كتبوا مسرحيات تتماشى والأهداف السياسية للنازية إلا انها لم تكن متماشية مع رغبات الجمهور وبالتالي فقد كانت برامج المسرح الألماني خلال مرحلة حكم الحزب النازي تشمل المسرحيات الكلاسيكية والمسرحيات الكوميدية أو الفالس.
في تلك المرحلة حاول عدد من الدراميين والنقاد والفنانين تطوير جماليات وتطبيقات مسرحية فاشية وقد فشلوا بصورة عامة في تحقيق ذلك في المسارح التقليدية وفي مدى واسع من الاستعراضات ذات الطبيعة العبادية التي حققت تمثيلاً رمزياً للفاشية كمذهب ديني علماني يجذب الجمهور المسرحي الواسع والذي يبرهن على أنه قوة آسره منقطعة النظير وأقوى من الدعاية المطبوعة وكانت هناك شراكة مع الطقوس في ابتداع مجتمعات مكونة من أفراد ومحاولة أثارة الحياة اليومية الى طمأنينة داخلية مع رضى ذاتي وموطن للانتماء وإذ اثبتت الميثولوجيا الفاشية الحبكة ونشرت سياسة التعصب المذهبي ، فقد اصبحت الاحتفالات الطقسية كالطقوس الدينية وحققت اتحاداً شمولياً متماسكاً للنظام الجديد.
ثم بناء المواكب الكبيرة والاجتماعات الجماهيرية المبنية دراماتيكياً والأحداث السردية والمدعومة بقوى عاطفية متصاعدة والتي حققت استجابات عميقة واستخدمت كأداة مؤثرة لربط الجماهير بالقائد الفاشستي. ثم رفع منع ظهور (هتلر) للناس في بافاريا عام 1927 وأقام الحزب القومي الاشتراكي أول اجتماع هناك عام 1929 والذي أصبح فيما بعد حدثاً سنوياً . وتعاقب مهرجان نورنبرغ الاجتماعات الجماهيرية وساعات من الاحتفالات الاستذكارية والمواكب الاستعراضية والمناورات العسكرية والسلبيات العامة والتي راحت تستمر لأيام عديدة. وقد تم تثبيت البطولي والدرامي للاجتماعات على اشرطة السليلوبر من قبل (ليني ريفنستال) في فيلمها المعنون (انتصار والأرادة) 1934 والذي اظهر نوعاً إنموذجاً لاجتماعات خارج القاعات واستمرت حتى عام 1939.
وهكذا وظفت الفاشية في ايطاليا والمانيا وفي غيرها من بلدان العالم والفن المسرحي لخدمة مبادئها وأهدافها وهذا هو الذي حدث في العراق ايام النظام البائد، ولكن الذي حدث أيضاً هو خروج الكثير من العروض المسرحية من قبضة النظام الاستبدادي وربما حاولت انتقاده أحياناً وأذكر منها هنا (الى إشعار آخر) ، (الكفالة) لفرقة المسرح الفني الحديث.