TOP

جريدة المدى > سينما > "كفرناحوم" للبكي و "يوم أضعت ظلي" لكعدان بلاغة في القول وشجاعة في التناول

"كفرناحوم" للبكي و "يوم أضعت ظلي" لكعدان بلاغة في القول وشجاعة في التناول

نشر في: 31 أكتوبر, 2018: 06:26 م

تحقيقات سينمائية عربية مثيرة في مهرجان لندن السينمائي الأخير

لندن- فيصل عبدالله

- ما تقوله الإشتغالات السينمائية العربية المشاركة ضمن فقرات دورة مهرجان لندن السينمائي الأخيرة، 10-21 تشرين الأول/أكتوبر 2018، إنها جاءت متناغمة مع وقائع محددة ومُرة كما تشي موضوعاتها. إذ قاربت، ربما، أسئلة حرجة مازال السجال حولها لم يحسم بعد، وعبر تحقيقات سينمائية مثيرة في بلاغة رسائلها السياسية والإجتماعية والثقافية. نصوص مُجيدة على صعيدي الشكل والمضمون، بارعة في إرتيادها لعوالم معقدة في تشابكاتها وأسبابها مثل، التهميش الإجتماعي والإقتصادي والحروب العبثية والعزل والنبذ الإجتماعي والإرهاب وتوق المرأة الى حرية الإختيار. ولعل العنصر الأبرز لتلك الإشتغالات إن نصفها موقع بأيد نسائية عربية، وبما يؤشر الى إنعطافة تحررية، إن صح القول، لدخول المرأة الى عالم ظلت كفة الإنتاج السينمائي فيه تميل الى صالح الرجال ونحن نقترب من نهاية العقد الثاني للألفية الثالثة. أما على صعيد لغة التعبير السينمائي وإشتقاقاتها، فان ما عرض يبشر بطفرة نوعية واضحة لجهة الصياغات الفنية وللكشوفات البصرية وللمعالجات الدرامية وغلبة الأداء العفوي غير المحترف. ما تقوله، أيضاً، إننا إزاء نتاجات جيل من المخرحين الشباب، بعضهم يدخل عالم الإنتاج السينمائي لأول مرة، له حساسيته الخاصة في إلتقاط أسئلة الحياة المعاصرة، ان كانت شخصية او عامة، وسلاحهم ما وفرته تقنيات التصوير الحديثة في الإستجابة الى قلق المبدع السينمائي/المؤلف وأناه. ومثلما هي أفلمة لمشاغل ذات المبدع، الى حد ما، بما تختزنه من خيبات وتطلعات وفي بيئة ضاربة في فوضي اللايقين، على الصعيدين السياسي والأجتماعي، فانها تغدو بشكل من الأشكال صورة عاكسة لهموم وأوجاع وأوهام وإلتباسات وأحلام مضيعة في تلك البقعة الجغرافية من العالم. حصيلة ما سبق، جاء على حساب نظام النجوم، المعمول به بدرجات متفاوتة في عملية الإنتاج السينمائي العربي ولربما دولة مصر هي الرائدة في تكريسه، إذ أن أغلب من عمل في تلك الأفلام هم من الهواة أو الناس العاديين. فضلاً عن التخفف من حوارات ثرثارة، تلك المنتشرة في السينما العربية بشكل مسف، لصالح الإجتهاد في إبداع لغة سينمائية تتماشى مع خطوط السياق الدرامي للمنجز السينمائي وبما يوازن بين الجمالي والفني والحكائي من دون فقدان متعة المشاهدة.
مفردات ما سبق نجد تحققاته في عمل اللبنانية نادين لبكي "كفرناحوم" "فوضى"(123د)، جائزة لجنة تحكيم مهرجان كان الأخير الخاصة، إذ قدمت فيلمها الأكثر تكاملاً فنياً في مسيرتها المهنية، تلك التي جمعت بين التمثيل والإخراج الغنائي والموسيقي والسينمائي والعمل السياسي، سبق وان رشحت نفسها عن مدينة بيروت الى مجلس النواب في بلدها. بعد "كاراميل" و "هلاّ لوين" تعود لبكي في جديدها الى بيروت مرة أخرى، وعبر رسم بوتريت صادم لعالم التهميش والفاقة المتقعة من خلال حكاية الصبي زين. اللقطات الأولى للفيلم تأخذ المشاهد مباشرة الى متابعة فصول من عالم زين، مشاكله مع والديه، الأب عاطل عن العمل ومدمن على تعاطي الكحول بعد ان ضاقت عليه مسؤولية تأمين متطلبات أسرته، شقيقته تقع فريسة إستغلال جنسي من صاحب دكان أكبر منها عمراً وبرضى من الديها بسبب الحاجة المادية، ما يدفع زين الى محاولة قتل الزوج، علاقته مع عاملة أثيوبية مهاجرة من دون أوراق عمل رسمية إتمنته على طفلها الوحيد. عناصر حبكة "فوضى"، أثيرت حول عنوان الفيلم ضجة كبير بفعل ما يستدعيه تشابهه مع إسم قرية يهودية، الصبي زين، عائلته المفككة، الهجرة غير الشرعية ان كانت على شكل عمالة او بفعل الحرب كما في سوريا، غياب شبه تام للرعاية الإجتماعية، وعود التزوير والسفر خارج البلد وحاكم، أدى الدور حاكم حقيقي متقاعد، ينظر في تفاصيل ماهو مطروح أمامه. خيوط مسكت بها لبكي بحرفية الفنان من دون الوقوع في فخ الميلودراما الساذجة وبما يحسب لصنيعها.
ما حققته لبكي يأخذ منحى آخر على يد السورية سؤدد كعدان في باكورة عملها المهم "يوم أضعت ظلي"(94د)، حيث تأخذنا الى جحيم مايدور في بلدها من بشاعات حروب وقتل أعمى. ذلك إن عالم الصيدلانية سناء (سوسن أرشيد) أقرب الى المغلق كونه يدور حول تدبر حياتها مع والدها في ظل غياب زوجها، إلا أن حياتها تقلب رأساً على عقب حين تغامر في الخروج مع جارتها للحصول على قنينة غاز للطبخ. تلك الرحلة، مع بداية الحرب وبالتحديد في العام 2012، تقودها الى مشارف مدينة دمشق حيث الظِلال تبدأ بالتتخلى عن أصحابها، حيث تتكشف الجريمة وفاعليها وضحاياها، أما النساء فعليهن تعلم الصبر وحفر القبور. ظِلال الجيش والأمن، ظِلال إنتهاك الحرمات لمن لايذعن، ظِلال الأشجار والبشر، إذ لم يبق من جريمة هيروشيما في اليوم الثاني سوى ظِلال الناس. لا تخفي تشكيلات كعدان البصرية بما حملته من تجريب صوري بالأبيض والأسود وما وثقته كاميرتها لما يجري في بلدها من قتل ودمار موقفها السياسي منه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram